اعتدتُ أن أكون رفيقاً له في أوقات فراغه، يُسِرّ لي بالكثير، يصاحبني وعنّي لا يستغني، حسبت أن صداقتنا ستستمر إلى الأبد، لا يعكر صفوها شيء، ولكن بدا أنني كنت مخطئاً، بالغت في تقدير حجم حبه لي، ويا حسرةً عليّ! فمنذ أهداه والده ذاك الشيء حتى نسيني، وكأنني حُذِفتُ من وجوده، وأسفاه على عِشْرتنا، كم تباهيت أمام أصدقائي قائلاً إن عصام مختلف، لن يتخلى عني كما تخلى أصحابهم عنهم، فكانوا يهزون رؤوسهم ساخرين ويهتفون: عندما يهديه والده جوالاً بمناسبة تفوقه سنرى إن كان سيتخلى أم لا.
وها قد تحققت نبوءتهم، أُهدي عصام جوالاً فتخلى عني، أنا صديقه القلم، عصام الرسام، عصام الكاتب، لم يعد يحرك إصبعاً إلا ليتصفح تلك الشاشة اللامعة المضيئة، ربما ولّى زماننا كما قال الجميع، وآن الأوان لنغادر العالم ونتركه للجوالات.
جلست في زاوية مكتبه بائساً حزيناً، فإذ بأصدقائه أتوا زائرين، بعثروا حقائبهم، فتساقط أصدقائي الأقلام منها، وحظينا بحديث حزين وسط لهو أصحابنا بجوالاتهم.
- لا أعارض التقينات، لكنني فقط أتمنى ألا يتم نسياننا.
- لو أنهم يعطون كل شيء حقه ووقته المناسب.
- عصام بالذات لم نتوقع منه هذا!
لو أن لنا صوتاً يُسمَع لصرخنا جميعاً مُعلِنين رفضنا لما يجري، ولكننا للأسف نحسّ ونشعر دون أن نتكلم.
أقبل اليوم التالي حاملاً مفاجأة ثقيلة لعصام، ومفاجأة رائعة لي، فمصائب قوم عند قوم فوائد! لم أدر لماذا يبدو متجهماً عندما عاد من المدرسة لكنني فهمت إذ سمعته يصيح ويبكي:
- وقع جوالي في المدرسة وكُسِرت شاشته.
- قلت لك يا بني، الجوال ليس مكانه المدرسة، هداك الله!
- أرجوكم، فلنصلحه.
- سيكلف إصلاحه الكثير، وإن أصلحناه فستمنع من استخدامه طوال الوقت.
- وما الذي سأفعله إن لم أستخدمه.
- اذهب وتذكر بم كنت تملأ وقتك قبل شرائنا للجوال.
ومثل هذا الموقف وضع عصام أمام حقيقته ليراها واضحة، ذكّره بما يهوى، بأشياء شغله عنها جواله وسرقه منها، عندما أمضى الوقت دونه اكتشف ما حوله، ملله قاده إليّ، شعر بكثير من الأفكار تجول في رأسه وتحتاج أن تُكتَب أو تُرسَم، ربما جُرحت لأنه تذكرني عندما احتاجني وشعر بالملل، ولكن هذا مفيد، يُثبت أنني باقٍ على مر الزمان، لا نهاية لي، ولن أصبح ذكرى في كتب التاريخ، يثبت أن عودته ستكون إلى هوايته، إلى الأشياء التي يحبها قلبه، عبست وغضبت ما إن أصلح جواله، ولو أن بإمكاني لذرفتُ الدموع، لكنني رقصت فرحاً عندما أتاني مبتسماً متجاهلاً الجوال وهامساً: لقد عرفت قيمتك، لن أتركك بعد اليوم، جوالي وسيلة، أما أنت فصديق، وأنا لن أحزن صديقي!
وها قد تحققت نبوءتهم، أُهدي عصام جوالاً فتخلى عني، أنا صديقه القلم، عصام الرسام، عصام الكاتب، لم يعد يحرك إصبعاً إلا ليتصفح تلك الشاشة اللامعة المضيئة، ربما ولّى زماننا كما قال الجميع، وآن الأوان لنغادر العالم ونتركه للجوالات.
جلست في زاوية مكتبه بائساً حزيناً، فإذ بأصدقائه أتوا زائرين، بعثروا حقائبهم، فتساقط أصدقائي الأقلام منها، وحظينا بحديث حزين وسط لهو أصحابنا بجوالاتهم.
- لا أعارض التقينات، لكنني فقط أتمنى ألا يتم نسياننا.
- لو أنهم يعطون كل شيء حقه ووقته المناسب.
- عصام بالذات لم نتوقع منه هذا!
لو أن لنا صوتاً يُسمَع لصرخنا جميعاً مُعلِنين رفضنا لما يجري، ولكننا للأسف نحسّ ونشعر دون أن نتكلم.
أقبل اليوم التالي حاملاً مفاجأة ثقيلة لعصام، ومفاجأة رائعة لي، فمصائب قوم عند قوم فوائد! لم أدر لماذا يبدو متجهماً عندما عاد من المدرسة لكنني فهمت إذ سمعته يصيح ويبكي:
- وقع جوالي في المدرسة وكُسِرت شاشته.
- قلت لك يا بني، الجوال ليس مكانه المدرسة، هداك الله!
- أرجوكم، فلنصلحه.
- سيكلف إصلاحه الكثير، وإن أصلحناه فستمنع من استخدامه طوال الوقت.
- وما الذي سأفعله إن لم أستخدمه.
- اذهب وتذكر بم كنت تملأ وقتك قبل شرائنا للجوال.
ومثل هذا الموقف وضع عصام أمام حقيقته ليراها واضحة، ذكّره بما يهوى، بأشياء شغله عنها جواله وسرقه منها، عندما أمضى الوقت دونه اكتشف ما حوله، ملله قاده إليّ، شعر بكثير من الأفكار تجول في رأسه وتحتاج أن تُكتَب أو تُرسَم، ربما جُرحت لأنه تذكرني عندما احتاجني وشعر بالملل، ولكن هذا مفيد، يُثبت أنني باقٍ على مر الزمان، لا نهاية لي، ولن أصبح ذكرى في كتب التاريخ، يثبت أن عودته ستكون إلى هوايته، إلى الأشياء التي يحبها قلبه، عبست وغضبت ما إن أصلح جواله، ولو أن بإمكاني لذرفتُ الدموع، لكنني رقصت فرحاً عندما أتاني مبتسماً متجاهلاً الجوال وهامساً: لقد عرفت قيمتك، لن أتركك بعد اليوم، جوالي وسيلة، أما أنت فصديق، وأنا لن أحزن صديقي!