شكا الطفل أحمد إلى أبيه ما صادفه في طريقه من تحرّش الأطفال بأحد الكلاب، ورميه بالحجارة، مما آذاه، وجعل يعدو أمامهم هارباً أو يعوي عواء غضب وتألم. وأبدى أحمد تعاطفه مع الكلب المسكين وسأل والده قائلاً: هل هناك عيب أو خطأ في حبّ الحيوان.
أجابه الأب ضاحكاً: على العكس يا ولدي. إنّ الرفق بالحيوان إحساس حضاري نبيل وقد سبق إليه الإسلام، ألم تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش، فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثم خرج. فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثلُ الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفّه، ثم أمسكه بفيه، حتى رقي فسقى الكلب، فشكر اللهُ له، فغفر له).
كـلـبٌ ماشٍ في الصَّحراءْ يَركضُ يلهثُ يحثو(1) رَمْلاً * * * صـادَفَـهُ رجلٌ مِعْوانْ(2) مـن ظـمأٍ يَشوي المُصْرانْ * * * شـاهـدَ بـئـراً مُنَكَسِرَةْ كي يشربَ كي يُطفيءَ جَمْرهْ * * * فـي قـلبِ الإنسانِ شُعورْ مِـثـلـي فـي دَمِـهِ تَنُّورْ * * * لـكـنْ كـيفَ يَنوشُ الماءْ الـخُـفُّ وِعـاءُ إنْ شـاءْ * * * شَـرِبَ الـحيوانُ العَطْشانْ كـوفِيءَ(4) بِالجنّةِ مَنْ كانْ | دَاهَـمَـهُ عَـطَـشٌ لِلماءْ يَـجـري لـهباً في الأحْشاءْ * * * عـانـى مـا عانى الحَيوانْ حـتّـى أسـعَـفَهُ الرَّحمانْ * * * لا حَـبْـلَ عـليها لا بَكْرَهْ غـاصَ إلـى قـاعِ الحُفْرَهْ * * * يَـرثـي(3) للكلبِ المَقْهُورْ لا يُـطـفِـئُـهُ إلا الـبيرْ * * * لـلـحـيـوانِ بِلا إبطاءْ فـي فَـمِـهِ يـحـتَمِلُ الماءْ * * * شَـكَـرَ الإنـسانَ المِعوانْ فـي عَـوْنِ الكلبِ الظمآنْ |
(1) يحثو: يحثو الماء أي يغترف منه.
(2) معوان: مساعد، يحب المعاونة.
(3) يرثي: يحنّ ويرق له.
(4) كوفيء: أعطي مكافأة أو جائزة.
شعر: محمد الحسناوي