كان هناك ساق إسمه علال , يبيع الماء للناس وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق , وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه ولنظافته . ذات يوم سمع السلطان بهذا الساقي فقال لوزيره : إذهب و أحضر لي علال الساقي.ذهب الوزير ليبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به للسلطان. قال السلطان لعلال : من اليوم فصاعدا لا عمل لك خارج هذا القصر ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها.. قال علال : السمع والطاعة.عاد علال إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد وبالغنا القادم, وفي الغد لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر السلطان, دخل الديوان الذي كان مليئا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم وكان حين ينتهي يجلس بجانب السلطان ليحكي له الحكايات والطرائف المضحكة , وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته . بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن , إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من علال, بسبب المكانة التي احتلها بقلب السلطان. وفي الغد حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير وقال له : يا علال إن السلطان يشتكي من رائحة فمك الكريهة. تفاجأ الساقي وسأله : وماذا أفعل حتى لا أؤديه برائحة فمي؟فقال الوزير : عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر. قال علال : حسنا سأفعل. عندما أشرق الصباح وضع الساقي لثاما حول فمه وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته. فاستغرب السلطان منه ذلك لكنه لم يعلق عليه , واستمر علال يلبس اللثام يوما عن يوم إلى أن جاء يوم وسأل السلطان وزيره عن سبب وضع علال للثام, فقال الوزير : أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي. فقال السلطان : لك مني الأمان فقل ما عندك. قال الوزير : لقد اشتكى علال الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.أرعد السلطان و أزبد وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر , قالت : من سولت له نفسه قول هذا غدا يزج به في السجن ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه الإنتقاص منك.قال لها : ونعم الرأي.وفي الغد استدعى السلطان الجلاد وقال له : من رأيته خرج من باب قصري حاملا باقة من الورد فاقبض عليه و أدخله الزنزانة. وحضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء وحين حانت لحظة ذهابه أعطاه السلطان باقة من الورد هدية له, وعندما هم بالخروج التقى الساقي بالوزير فقال له الوزير : من أعطاك هذه الورود؟قال علال : السلطان.فقال له : أعطني إياه أنا أحق به منك.فأعطاه الساقي الباقة وانصرف , وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملا لباقة الورد فقبض عليه و كبله بدون رحمة.وفي الغد حضر الساقي كعادته دائما ملثما حاملا جرته وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين, استغرب السلطان رؤيته لظنه أنه في السجن ,فنادى عليه وسأله : ما حكايتك مع هذا اللثام؟قال علال : لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة و أمرني بوضع لثام على فمي كي لا تتأدى.سأله مرة أخرى : وباقة الورد التي أعطيتك؟قال علال : أخذها الوزير فقد قال أنه هو أحق بها مني.فابتسم السلطان وقال حقا هو أحق بها منك, و حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان.