الحماقة : داءٌ ذهني يجعلُ صاحبَهُ غير عادي الطباع يضرأحيانا وهو يظن أنه ينفع ولا ينفع كثيرا لعدم استقامة فهمه وفكره مع فهم وتكفير الآخرين .
ومن أشهر ما قيل عن الحمق قول المتنبي
لكل داءٍ دواءٌ يستطبُّ بهِ إلا الحماقةُ أعيَتْ من يداويها
وقول الشاعر :
بعض الداء ملتمس شفاه وداءُ الحمق ليس له شفاء
علامات الحمق :
وقال أبو حاتم بن حيان الحافظ : علامة الحمق سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخيار والاختلاط بالأشرار والأحمق إن أعرضت عنه اغتم وإن أقبلت عليه اغتر وإن حلمت عليه جهل عليك, وإن جهلت عليه حلم عليك , وإن أحسنت إليه أساء إليك وإن أسأت إليه أحسن إليك , وإذا ظلمته أنصفت منه , ويظلمك إذا أنصفته , فمن ابتلى بصحبة الأحمق فليكثر من حمد الله على ما وهب له مما حرمه ذالك .
.الهروب من الأحمق :
قال السابقون " لا تؤاخذي الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ , وربما يريد أن ينفعك فيضرك وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وموته خير من حياته " .
وقال ابن أبي زياد : قال لي أبي : يا بنيَّ الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى فإني ما جالستُ أحمقاً فقمت إلا وجدتُ النقص في عقلي .
.
لا تغضب على الحمقى
عن عبد الله بن حبيق قال : أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام " لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك ".
وعن الحسن قال : هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل .
لا تجالس الأحمق
عن شعبة أنه قال : عقولنا قليلة فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلاً منا ذهب ذلك القليل فإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلاً منه فأمقته .
الحمقُ عند الأعراب :
العرب تعرِّفُ الأحمقَ تارةً بمن قد عُرِفَ حمقه من الناس وتارةً بما ينُسب إلى سوء التدبير من البهائم والطير , وتارة بما لا يقع منه فعل ولكن لو تصور له فعل كان ما ظهر منه حمقاً .
من أبلغ ما قيل عن صفات الحمــــــــقى :
يقول الإمام عليٌّ كرم الله وجهه": الأحمق إن استنبه بجميل غفل ، وإن استنزل عن حسن نزل ، وإن حمل على جهل جهل ، وإن حدث كذب ، لا يفقه ، وإن فـُقـّه لا يتفقه .
.وعن المسيح " عليه السلام لما سئل عن الأحمق :
المعجب برأيه ونفسه ، الذي يرى الفضل كله له لا عليه ، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا ، فذاك الأحمق الذي لا حيلة فيه ...
مصـــــــــــــــــاحــبة الأحـــــــــمق
قديما قالوا : كن على حذر من الأحمق إذا صاحبته ، ومن الفاجر إذا عاشرته ، ومن الظالم إذا عاملته .
وأيضا قيل : عدو عاقل خير من صديق أحمق.
بعد الأحمق خير من قربه ، وسكوته خير من نطقه .
قال ابن الأعرابي: وبهذا سُمِّيَ الرجل أحمقاً لأنه لا يميز كلامه من رعونته .
ومن خصال الأحمق فرحه بالكذب من مدحه وتأثره بتعظيمه وإن كان غير مستحق لذلك .
.يعرف الأحمق بست خصال : الغضب من غير شيء
والإعطاء في غير حق
والكلام من غير منفعة , والثقة بكل أحد وإفشاءُ السر
وأن لا يفرق بين عدوه وصديقه , ويتكلم ما يخطر على قلبه ويتوهم أنه أعقل الناس .
إن الحماقة داء قد يصيب شريحة أو شرائح من المجتمع، فهو لا يميز بين غني أم فقير، متعلم أو جاهل ، صغير أم كبير، والجهل مطية من ركبه وسلك مسلكه فقد ضلَّ جادة الطريق كما أن من أسوأ مصائب الحمق أن يجهل الأحمقُ أنه جاهل.
فالحماقة والجهل آفـتان مهلكتان لمن اتَّصفَ بهما وسلك طريقهما، وكما قالت العرب "الجهل موت الأحياء , فالجاهل عدو نفسه فهو دائماً يحاول تغطية قلة عقله وفهمه للأمور بقلة أدبه وانحطاط أخلاقه التي تعكس البيئة التي عاش وترعرع فيها ذلك الجاهل الأحمق.
الفرق بين الحمق والمرض النفسي والعصبي
بالتأكيد هناك فرقٌ كبير بين الحمق وبين الخلل النفسي أو الجنون , فالأحمق هو إنسان يمتلك عقلا قاصرا محدودا وخاصة في أمور اعتاد الناس علي فهمها وبالتالي هو إنسان متزن نفسيا وعصبيا وبدنياً وهو يمارس عملاً وربما يكون ناجحا ومتفوقا فيه ومجيدا لأي نوع من أنواع الأعمال فكريا أم يدويا , فلا يوجدُ خَلَلٌ فيه يحتاج إلي علاج , لكن فكره مُرَكَّبٌ علي أمورٍ راسخة لا تستطيع إقناعه بأيِّ أمرٍ مخالف لما يحتويه تفكيره فيها وربما حين تحاول أن تقنعه بشيء يعاديك لأنه يعتبر انك أنت الاحمق لأنك تشغل نفسك بمثل هذه الأمور .
أما المريض النفسيُّ فهو إنسانٌ كان سويا ولكنه وقع تحت تأثير مرضٍ نفسي أو عقلي فتغيرت كيمياء جسمه وأصبحت دورة تفكيره مضطربة , وربما وجدت الكثيرين من المرضي النفسيين يمارسون حياة ناجحة وأعمالاً جادَّة ولكِنَّهم يخفون أمراضهم النفسية , ويتعايشون معها .
أما المريض عقليا وهو المصاب بالجنون فهذا قد حدث له خلل في مجري تفكيره وحدث له أيضا تغيير كيميائي في مخه فأصبح مقتنعا بأمور غير عقلية وغير منطقية , وهذا لا يستطيع أن يتعايش مع الناس تماما .
قد يختلط علي كثير من الناس الفرق بين الحمق والجهل فالحمق خلل في فهم الكثير من أمور الحياة وتجمد العقل فيها , بينما العقل متفتحٌ في امور أخري كثيرة وربما أبدع فيها .
أما الجهل : فهو عدم العلم المقصود به عدم الفهم وربما عدم الوعي وعدم التعلم والحرمان من صفة الخبرة وربما عرفها البعض بأنها الأمية لأن الأمي بالطبع قد حرم من التعليم وايضا الكثير من الأدراك والخبرة والفهم لأمور كثيرة مهمة في الحياة .
الجاهل إن كان عاقلا لا يصل أبدا الي مرتبة الحمق فكم من إنسانٍ غيرُ متعلم وصل إلي مجد ونجاح وحُبٍّ من الناس لم يصل إليه كثيرٌ من المتعلمين اللهم إن كان أيضا مصابا بالحمق فتكون آفته أكبر حمق مع جهل .
وهناك الجهل المقصود به البطش كما في قوله تعالي" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " فالجهل هنا بمعني تصرف فيه جهل وهو الإيذاء باللسان أو اليد لأنه ينم عن جهل وغباء .
ونذكر قول الشاعر عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن احد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين
وعن الحمق قيل
ومنزلة الفقيه من السفيه ............... كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا ............... وهذا فيه أزهد منه فيه
هل الحمقُ وراثة أم تربية ؟
كما قلنا فالحمق خلل في الإدراك والفهم , وكل هذا ناتج من جينات وراثية منقولة من الأبوين , ربما كان الأبوان علي نفس الوتيرة , وكلنا يعرف أن هناك اختلاط وتغيير يحدث بين الآباء والأبناء , ولكن ربما نقل الأبناء طباع آبائهم , فكانت هناك رعونةٌ في أمورٍ ووعيٍ في أمورٍ أخري , وكما نعرف فالحمق درجات ومنازل
ربما كان الأبناء علي درجاتٍ متفاوتةٍ من الحمق لأنهم تناقلوا تراكيب متفاوتة من الأبوين جعلتهما كذلك ومع ذلك ربما وُجد ابنٌ سويٌّ وآخر أرعن , وهكذا
وهناك فرق كبير أيضا بين قصور الذهن العلمي والحمق
فليس معني أن الانسان غير قادر علي فهم الكثير من أمور الحياة أو العلوم أنه أحمق ,
فهذا القصور سنة الحياة فكل إنسان لديه ملكات عقلية وفكرية خاصة وهو ما يجعله نافعا في مجال من مجالات الحياة دون الأخري , ولولا ذلك لما كانت هناك تنوع في الأدوار , فهناك عمل حرفي وآخر ذهني حتي الاعمال الحرفية درجات فهناك المتميز فيها وهناك الأدنى وهكذا .
وبالتالي ربما وجد من الأشخاص من كان ذو تفكيرٍ محدودٍ وكان مستواه العلمي منحدر ولكنه نجح وتفوق في مجالً آخر , بل ربما نال بحميد خلقه وكريم صفاته أعلي الدرجات
المعاتيه أو اصحاب العته المغولي والبله وغيرهم
هؤلاء ليسوا حمقي , فهم مجبولون علي ذهن محدودٍ جداً ولا حيلة لهم في ذلك
وقانا الله وإياكم شر الحمقى , وجنَّبَنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن .