كان يا مكان في زمن يختلف عن هذا الزمان، كان هناك فلاح عجوز يعيش مع زوجته و كان يأمل فلا يشبع، حتى إنتقل للآكل من محصول آرضه، ولما حل موسم زراعة الفول، زرع أرضه فولا كسائر الفلاحين، لكن نهمه إمتد للمحصول، فكل ما استوت حبات من الفول إلتهمها دون تفكير حتى صار العم كالبرميل. وكان يعود إلي بيته دائما شبعانا، وكلما وضعت زوجته طعاما تعبت في تحضيره، كلما آبعد صنية الآكل قائلا:آبعدي عني هذا الطعام، فقد أكلت خارجا مع جارنا حسن الجزار و لله الحمد. كان هذا يحزن زوجته الخالة نوسة جداً، ويكسر خاطرها، لمن العم عبد الجبار لم يكترث كثيرا لمشاعرها، وعندما كانت تعاتبه على الاكل خارج البيت كان يرد بجفاء:هلا صمتي لا تفسيدي مزاجي أريد أن أنام، ومرت الآيام و محاصيل الفول في الحقول جيرانهم الغولة و حسن الجزار كانت تكبر و تسوي، و يصبح منظرها شهيا جدا و مفرحا للعين، و بدأ الجيران يأكلون من محاصيلهم، مما دفع بالخالة نوسة لسؤال زوجها :آين فولنا يا حاج عبد الجبار كل الجيران تذوقوا خيرات أرضهم إلا نحن، آنت لم تحضر لنا حتى حبة فول واحدة، إضطرب العم عبد الجبار و أحرجه سؤالها فقال بثقة مفتعلة، أرضنا مليئة بالخير فوق ما تتصورين، غدا سأخذك لتري بعينيك و تجني ما شئت من الفول.
وفي اليوم التالي وفى بوعده و أخذها إلى الأرض، لكنه كان قد خطط لآمر لينقذ نفسه من هذه الورطة، فبينما هما يمشيان.. قال لها بلطف ما رأيك يا عزيزتي آن نعيد أيام الصبا و نلعب قليلا، فأغمض لة عينيك بمنديل حتى نصل و أفاجئك بروعة المحصول، راقت الفكرة للخالة بشدة و لم تصدق آن زوجها يقترح عليها هذا الإقتراح، وافقت دونما تردد، فعصب عينيها، و قادها حتى وصلا، عندها قال:و صلنا عزيزتي، والآن خذي حجراً و آرمه على قدر إستطاعتك، آينما وقع فتلك أرضنا و محصولها ملكنا. قامت الخالة بما آشار به عليها زوجها، ومن سوء حظها وقع الحجر في حقل الغولة، بلع العم عبد الجبار ريقه لكنه فضل الصمت على تحذيرها، بينما نزعت العصابة عن عينيها حملت المنجل و آسرعت تجني الفول وهي تنشد:
الآرض، أرض ربنا
وخيرها عم علينا
وبقى كله لينا لوحدينا
و إرتفع صوتها بهذه الكلمات حتى وصل الصوت لمسامع الغولة، فجاءت مسرعة و الغضب يملآ عينيها وهي ترى الإعتداء السافر على أرضها، فظهرت فجأة أمام الخالة التي طار قلبها رعبا، فهي تعرف الغولة و شرها المسيطر تملآ شهرته الآفاق.
آمسكت بها الغولة و قيدتها آما زوجها فقد فر عندما رأى ما حدث متخليا عن زوجته بدون ذرة ندم.
زمجرت الغولة قائلة :كيف جئتم إلى آرضي ولمستم محصولها ؟؟
ردت عليها الخالة نوسة بشجاعة، هذه أرضنا نحن يا ظالمة لا تتباهي علينا بقوتك..
إندهشت الغولة ما سمعت و قهقهت ضاحكة ثم قالت: أرضك!!! آيتها الغبية هاهي آرضك و آشارت لحقل قاحل يبست فيه عيدان الفول و إسودت و آكملت قولها، لقد آكل زوجك الجشع كل المحصول بنهم يفوق نهمي آنا حتى!!! و الآن بكل وقاحة تعتدون على حقلي... كم تمنيت آن آكل زوجك السمين لكنه هرب، لا يهم سأكتفي بك، فأنت تفين بالغرض.
آغمى على الخالة نوسة لصدمتها مما سمعته لم تستعد وعيها إلا وهي في منزل الغولة، التي غيرت رأيها و قررت آن تتخذها خادمة عندها. وهكذا أصبحت الخالة المسكينة تعمل كثور في بيت الغولة مربوطة بسلسلة حديدية حتى تفر، آما الغولة فقد سرت لآنها آخيرا وجدت من يريحها و يلبي طلباتها، مرت شهور تعبت الخالة نوسة من سوء المعاملة وما زاد تعبها هو إختفاء زوجها فهو طوال تلك المدة لم يظهر آو حتى يحاول البحث عنها، لذا إتخذت قرارا آن تنقذ نفسها بنفسها فهذا السجن الذي أجبرت عليه من طرف الغولة، فكانت كلما خرجت الشريرة بحثا عن رزقها تأخذ الخالة نوسة سكينا مسننة و تحاول قطع آغلالها بها، و إستمرت على هذه الحال مدة طويلة لكن بالصبر و المثابرة نجحت أخيراً، وكانت الغولة في ذلك الوقت نائمة و شخيرها يكاد يطير السقف، لكن المخيف آنها تنام و عيونها مفتوحة، فكرت الخالة نوسة في طريق للهرب لكنها وصلت لإستحالة الآمر طالما الغولة في المنزل، فقررت آن تنتهز أول فرصة تغيب فيها، وهذا ما حدث فعلا، فقد خرجت الغولة في اليوم التالي و بسرعة خرجت الخالة نوسة خلفها لكنها و جدت الغولة أمامها بعد عدة آمتار إبتعديها عن منزلها، ذلك أن الغولة كانت قد نسيت كيسها الذي تجمع فيه صيدها فعادت آدراجها لتأخذه و بسرعة فرت الخالة نوسة منها بإتجاه واد إسمه واد القذارة وذلك لتجمع القذارة فيه و كانت الرائحة المنبعثة منه تزكم الآنوف ورغم كره الخالة نوسة للمكان إلا آنها لم تجد سواه ملجأ لها في محنتها هذه، وكانت الغولة آيضا تكره ذلك الوادي بل كانت تخشاه جدا و هذا ما جعل الخالة نوسة تحسم آمرها فعبرته رغم قرفها منه بينما وقفت الغولة تتفرج عليها بغيض شديد و حسرة فهي لا تستطيع آن تخطو خطوة واحدة في ذلك الوادي، وهكذا نجت الخالة الطيوبة نوسة من شر الغولة وواصلت طريقها نحو مكان جديد بعيد عن زوجها الخسيس الجشع الذي تخلى عنها في آعز حاجتها إليه، فالتقت بأناس جدد آحبوها و أحبتهم.
تأليف: نوال بن قدور
رسوم:عبد الكريم العاجي