في زمن غير بعيد ، كانت عائلة من الكلاب تعيش في فرح و سعادة قبل أن يتوفى الأب من قبل أطفال شريرة رمته بالحجارة حتى الموت ، ترك زوجته وحيدة تلاطمها قسوة الحياة ، حاملًا بجرائها ، أتى يوم الذي تضع فيه الأم صغارها ، في هذا اليوم لم تجد الام مكانًا تستطيع أن تلد فيه جراءها بعيدًا عن أعين البشر المترقِّبة .. بدأت تزحف من حي إلى حي ، تتلوى من شدة الألم تبحث عن مكان تستطيع الإنجاب بسلام دون إزعاج ، حتى وجدت مكانًا في ورشة بناء العمارات لم يتم ترحيل الناس إليه بعد ،في تلك اللحظة استطاعت إنجاب صغارها في مأمن من البشر بعيدا عن شرهم ، أنجبت الأم أربعة جراء ومن بينها جرو واحد فقط ، بين الحزن والسعادة غمرت جراءها بالحنان و الحب و من حليبها أرضعتها في تلك الليلة الدافئة ، في النهار التالي نشر الصباح نوره و في تلك الصبيحة أحست الأم بالجوع الشديد فقررت أن تخرج باحثة عن الطعام ، خبأت صغارها لكي لا يتم سرقتها منها ، وخرجت إلى الأحياء تبحث عن طعام لها بين الحاويات ، في وقت غيابها مر رجل يعمل صيادًا بحريًّا بجانب المكان الذي فيه الجراء ، سمع الرجل أصواتها فتتعبها من أي مكان تأتي ، حتى وجدها داخل برميل مسطح على الأرض ، تغطي أجسادهم الضعيفة قطعة من القماش الرثة جلبتها الأم من مكان ما لتدفئة صغارها ، أخذ الصياد البحري صغيرها ، تاركا باقي الجراء في مكانها ، متجها نحو ميناء الصيد ، تأخرت الأم في العودة كثيرا بسبب شح الطعام في تلك الأحياء شبه الخالية تماما من ازدحام ساكنها ، عند وصلها وجدت أحد صغارها مفقودًا بكت عليه إلى حد الجنون و بدأت تستشعر رائحة غريبة في المكان لكنها لم تتجرأ وتتبع أثرها خوفا من فقد ما تبقى من صغارها ، بعد مرور شهر من الواقعة الأليمة ، كبرت الجراء وصار بمقدرها استكشاف العالم الخارجي ، مر الرجل الذي أخذ صغيرها مرة ثانية من أمام مأواها ، شمت الأم رائحته وتعرفت عليها ، فطلبت من صغارها عدم التحرك من مكانها والخروج إلى الشارع بمفردها لأن فيه خطرًا كبيرًا على الجراء الصغيرة ولا تعرف ما ينتظرها ، بدأت الأم تتبع الرجل الصياد خفية إلى المكان الذي هو قاصده لعلها تجد صغيرها ،فكان مقصد الرجل مرفأ الصيد الذي يقتات منه لقمة عيشه ، دخل من البوابة الضخمة للميناء ودخلت خلفه الأم على مرأى من أعين الناس خائفة من أن يقوم بإيذائها أي عامل في الميناء لكن بالعكس لم تتعرض لأي أذى ، لأن عمال الميناء يعتبرون الكلاب اصدقاءهم ، تساعدهم في حراسة المكان كي لا يتم سرقته من قِبَل اللصوص والأشرار ،، هي تتبع أثره وجدته يقدم لصغيرها طعاما من الأسماك الطازجة اللذيذة ، غمرتها السعادة لرؤيته وأن حاله أفضل ، حاولت التقرب منه لكن الرجل حمل صغيرها بين يديه بكل مودة وصعدا معا إلى أحد السفن الضخمة ، بدأت تنبح على صغرها نباحًا قويا ، ولكن دون جدوى .. فمن يسمعها ؟ ولماذا هي تنبح بشدة ؟ ومن سيحس بفقدان صغيرها ؟ نظر في اتجاهها الصياد وقال: هل تريدين أن تقومي بالرحلة معنا ؟؟ و ابتسم ، ثم نظر إلى الجرو الصغير ؟ سنأخذها معنا في المرة المقبلة صغيري .. أحس الجرو الصغير بحنان ناحية أمه ولكن لا يعرف ما سببه ، انطلق بوق السفينة في أرجاء السفينة والميناء معلنا عن تحركها ، و الحزن في هذه الأثناء امتلك الأم وعاد يخيم على حياتها من جديد ، غادرت مكسورة الفؤاد إلى صغارها من دونه ، شقت السفينة طريقها وسط الأمواج العاتية والمحيطات مدة ثلاثة أشهر ، و كبرت الجراء و أصبحت كلابًا قوية لا يستهان بها أبدا ، الأم في هذه الفترة لم تفارق الميناء يوما راجية عودة صغيرها إليها مجددا دون أن تشعر باليأس متفائلة لعودته إليها مجددا .
في وسط المحطات تعرضت السفينة إلى سطو من قبل مجموعة من اللصوص لسرقة مواردها ، كان صديقنا الجرو نائمًا في مقصورة القيادة عندما أحس بأشخاص غرباء صعدوا إلى السفينة دون ضجة منه ذهب نحو سيده ، محاولًا أن يوقظه من نومه ،فبدأ بلعق وجه ولمسه برجله .. استيقظ الصياد و بإشارة من الجرو الذي صار كلبا ضخما شديد الذكاء ، عرف الصياد أن السفينة اقتحمها غرباء ، نظر الصياد خلسة ، دون أن ينتبه إليه اللصوص ، وأمر الكلب بعدم إحداث أي ضجة أو النباح إلا بأمره ، أما باقي طاقم السفينة فكانوا منغمسين في لعب الورق في غرفة سفلية تحت أرضية السفينة ، كان منهم النائم ومنهم مَن كان يلعب بالورق والشطرنج ، قال الصياد لصديقنا ...:
ــ سوف نعلِّم هؤلاء الأوغاد درسا قاسيا لن ينسوه أبدا مدى حياتهم ..
وضع الصياد غطاء أبيض ليبدو كأنه شبح وطلب من الجرو أن يتجول في ساحة السفينة ، دون أن يزيح الغطاء عنه لكي يظن اللصوص أن شبحًا بالسفينة ، وصبَّ كمية كافية من الزيت المحروق على الأرض لسهولة الإمساك باللصوص عند وقوعه ، فعل الجرو ما أمر به الصياد تمامًا ، فلاحظ أحد اللصوص شيئا يتحرك ويتحرك فاتجه نحوه لكي يتأكد من أمره ، فوقع اللص الجبان على الأرض واستطاع الصياد الإمساك بالفرد الأول من العصابة ؛ فشد وثاقه جيدا وأغلق فمه أيضا لكي لا يُسمَع له صوت من قِبَل أصدقائه ، وأخذه إلى غرفة المؤن ،أما اللصان المتبقيان فقد طلب الصياد من صديقنا أن ينبح لكي يجلبهما إلى ناحيته ،فبدأ الكلب بالنباح ...
ــ سوف نعلِّم هؤلاء الأوغاد درسا قاسيا لن ينسوه أبدا مدى حياتهم ..
وضع الصياد غطاء أبيض ليبدو كأنه شبح وطلب من الجرو أن يتجول في ساحة السفينة ، دون أن يزيح الغطاء عنه لكي يظن اللصوص أن شبحًا بالسفينة ، وصبَّ كمية كافية من الزيت المحروق على الأرض لسهولة الإمساك باللصوص عند وقوعه ، فعل الجرو ما أمر به الصياد تمامًا ، فلاحظ أحد اللصوص شيئا يتحرك ويتحرك فاتجه نحوه لكي يتأكد من أمره ، فوقع اللص الجبان على الأرض واستطاع الصياد الإمساك بالفرد الأول من العصابة ؛ فشد وثاقه جيدا وأغلق فمه أيضا لكي لا يُسمَع له صوت من قِبَل أصدقائه ، وأخذه إلى غرفة المؤن ،أما اللصان المتبقيان فقد طلب الصياد من صديقنا أن ينبح لكي يجلبهما إلى ناحيته ،فبدأ الكلب بالنباح ...
استدرج صديقنا الكلب اللص الثاني بنباحه ، لكن الرجل الشرير لم يجده أمامه لأن صديقنا كان فوق حجرة القيادة ، وبسرعة البرق قفز الكلب فوق اللص ، والذي من شدة فزعه وخوفه أصيب بحالة إغماء وتم إمساكه بسهولة فائقة من طرف الصياد ، وكما فُعِل باللص الأول فُعِل به ، وفي حينها لقب الصياد صديقنا بالشجاع لأنه لا يخشى شيئا ، أما اللص الثالث فلم يستطع التحرك ، تجمدت قدماه منتظرا ما سيحدث له ، لكنه عرف أن مصيره سيكون كمصير صديقيه ، اقترب منه شجاع وصحابه بشجاعة ، فألقى اللص الثالث بنفسه في وسط البحر وكانت نهايته على يد أسماك القرش المفترسة ، وغمرت السعادة الصياد وصاحبه الكلب فأصرَّ الصياد أن يبلغ أصحابه الصيادين بما وقع دون إدراك منهم ، نزل الصياد إلى أصحابه الذين كانوا في إحدى غرف السفينة وأخبرهم باللصوص الذين اقتحموا سفينتهم وبما قام به الشجاع من بطولة للإمساك بهم ، وكيف حماهم من الأشرار ، أكرم الصيادون الشجاع وقاموا بتدليله كثيرا ، وبعد رحلة طويلة دامت شهورًا عديدة في وسط الأمواج عاد الصيادون إلى بيوتهم ، وعند وصول السفينة إلى المرفأ رأى الشجاع مجموعة من الكلاب على الرصيف ،فتذكر الشجاع الكلبة التي كانت تنبح عند ذهابه في رحلته هذه فلحظ وجودها بين المجموعة وكيف تقدم بها العمر ، لكنه صرف النظر عنهم حال نزول الصيادين من السفينة و في حوزتهم اللصان لكي يسلموهما إلى الشرطة و ينالا ما يستحقانه من عقاب على ما قاما به من أفعال شريرة ، في هذه اللحظة أخبرت أم شجاع بناتها أن ذلك الكلب قوي البنية هو شقيقهن الذي أخذ منها ، فاقتربن نحو الشجاع شيئا فشيئا يملؤهن شوق الدنيا كلها وحنانها ، عندما وصلت أمه أمامه ذرفت دموعها باكية قائلة له يا صغيري ،أخيرا سيتجمع شملنا مرة ثانية كم تعبنا أنا وأخواتك عند فقدانك ، حاولت جاهدة استعادتك لكن ما بيدي حيلة ، كانت سرعة دخول السفينة في البحر أقوى مني ، لاحظ الصياد فضول مجموعة الكلاب وما يدور بينها ، وما انتبه إليه أكثر وضوح التشابه الذي بين الشجاع وبين الكلاب الأخرى فعرف أنها عائلته ، وأن هذه الكلاب هي نفسها الجراء التي كان شجاع يعيش بينها عندما أخذه ، فقرر الصياد أن يجمع شملها من جديد وعاشت الكلاب كلها بقية حياتها سعيدة ، تتجول مع أصدقائنا الصيادين في السفن بين البحار والمحيطات.
_ تمت_
بقلم : بن قدور نوال _ تمت_