أبي يعمل في
الورشة كعادته أيام الإجازات يلمّع أدواته، ويعلّقها بنظام شديد على الجدران.
أبي بارع يصلح كل
الأعطال في البيت.
فهو مرّة كهربائيّ
يستخدم مفكّاته وأدواته بعناية ولا يستسلم أبدا،إلا إذا أصلح العطل.
ومرة نجار يدقّ
المسامير ويصلح ما كسر من الكراسي والأثاث .
لكن أمرا واحدا
كان يحزنني، أبي يغلق ورشته بإحكام ولا يسمح لي بالبقاء فيها منفردا ولا يتركني
ألعب بأدواته .
قالت أمي :"
لا زلت صغيرا ووالدك يخشى أن تؤذي نفسك بالأدوات :"
ليته يعلم أن أسعد
لحظاتي، عندما يقول لي :" مازن ناولني مفكّ البراغي :"
فأطير فرحا وأحضر
ما طلبه في لمح البصر.
ذات مرة،وبينما
كان والدي يرتّب ورشته إذ بهاتفه يرنّ،أجاب على المكالمة و توجّه بسرعة إلى
سيّارته ثم غادر تاركا باب الورشة مفتوحا.
تردّدت وكدت أدخل
الورشة،كم أتمنى أن ألمس الأدوات وألمّعها مثلما يفعل والدي تماما.
لكنّي تذكّرت أن
الأمر خطر، قد يغضب منّي، و ربما أتسبب بالأذى لنفسي.
هممت بإغلاق
الباب،وعلى الأرض شاهدت قطعا خشبيّة صغيرة يبدو أنها مخلّفات الخشب الذي صنع منه
والدي طاولة للحديقة.
جمعت القطع وأخذتها
لغرفتي ثم ركّبتها بطرق مختلفة، فكّرت:هذه
القطع الطويلة تشبه أرجل الطاولة وإذا وضعت عليها هذه القطعة المستطيلة فسأحصل على طاولة.
انهمكت في صنع
طاولتي وألصقت أجزاءها كي تتماسك.
ثم جلست أتأملها،
بقي أن ألوّنها بصبغ الخشب.
ابتسمت،هذه طاولة
طعام الأقزام، ماذا لو صنعت لها كراسي، ثم سريرا للأقزام ؟
أجل، سأجهز بيتا
للأقزام بكلّ ما يحتاجونه !
وبينما كنت
مستغرقا في عملي إذ بوالدي يقبل وعلى وجهه علامات الدهشة ارتبكت،
إلا أن ابتسامة
ابتسامة رضى ارتسمت على وجهه. أخذ يقلّب ما صنعته ويتمتم قائلا:"أنت بارع
يامازن!:" تشجعت وقلت له:سعيد بأن أكون مساعدك يا أبي :"
من الغد اصطحبني
أبي إلى محلّ الأدوات واشترى لي خوذة وقفازات ونظّارات للسلامة وأصبج يسمح لي بأن
أساعده لوقت أطول في الورشة.
علّمني كيف أفكّ
البرغيّ وأدقّ المسمار لكنّه أبدا لم يسمح لي بأن ألمس المنشار.
ساعدني في صنع
ألعاب خشبية ومعدنيّة،سيارات عجلاتها من أغطية القوارير وقطارا من علب الصّفيح ..
وها أنا اليوم أقيم معرضا بما صنعته من ألعاب في مدرستي .
نجوى الدرعاوي