كان والدى مهندساً فى إحدى القرى الصغيرة وذات الطابع
الريفى ولأن عمله كان فى إحدى المصانع فى المدن الكبرى فقد تزوج من هذه المدينة وأقام
بها وولدت فيها كان والدى يكره قريته إلى أقصى
درجة وكان لا يحب أن يعود إليها كثيراً إلا فى المناسبات الهامة للأقارب وكان أقاربه
معدودين فى هذه القرية وبالتالي تكاد تكون زيارتهم معدومة كنت تلميذا فى الصف الخامس
الابتدائي حين استوعبت هذه الأمور ولسوء الحظ
كنت الأول على المدرسة بلا منافسة ولسوء الحظ فقد أصيب والدى بمرض فى أعصابه من ناحية اضطرته
كما نصحه الأطباء بالإقامة فى منطقة ريفية بعيداً عن الضوضاء والمصانع والضغط العصبى
ومن جانب آخر فقد حدثت مشاجرة حادة بين مدير الشركة وأحد الوزراء فقام بالانتقام من
صاحب الشركة وتوقفت الشركة لمدة مفتوحة لم يعلم والدى مداها ولم يجد وسيلة غير الرجوع إلى
القرية فى منزله الذى تربى فيه مع والديه وكانت
هناك شقة كاملة فى الدور الثانى كانت فارغة من السكان وكان جدى قد تركها لينتظر عودة
أبى ولم يؤجرها ومع ذلك كان لوالدى رصيداً فى البنك ينقذنا من الاحتياج للآخرين ولكنه
يقول بدلاً من أن نقيم فى المدينة وندفع إيجاراً لشقة ونكلف أنفسنا فوق طاقتنا فالحمد
لله الذى جعل عندنا شقة ومنزل نفعنا وقت الحاجة لم يكن لوالدى من الأقارب إلا عدداً
محدوداً جداً وكانت القرية عبارة عن عائلات متعاونة مع بعضها ومترابطة وقت الشدة , وأى معركة تحدث بين أحد من أبنائها تثور كل العائلة
ومع ما كنت أجد لوالدى من تقدير وسط المدينة المليئة بالعلماء والمناصب الكبيرة إلا أننى لم أجد التقدير المناسب
لوالدى وسط قريته التى نشأ فيها كنت أشعر بالنفاق فى المعاملة وذات مرة حدثت مشاجرة
بينى وبين أحد الأطفال فى القرية كان راسباً فى الصف السادس وأصابنى بالضغط لدرجة أننى
سببته فوجدت والده جاء إلى منزل والدى وأهاننى وأهان والدى وعندما خرجت والدتى للاستفسار
أهانها هى الأخرى ثم توالى أقاربه واحداً تلو الأخر وعندما علموا ما أصابنا لم يعاتبوا
أقاربهم بل ظلوا يتفاخرون علينا وبأنهم من عائلة كبيرة ومن أصل عريق وعندهم الضباط
والمهندسون والمدرسون فى العائلة وعندهم الأموال والعدد أما نحن فلا قيمة لنا وسط هذه
القرية ولا منصب لنا حتى والدى لا عمل له إنه عاطل هكذا عيروه وهو أفضل منهم جميعاً
وقد ابتكر لمصانعهم عدة اختراعات تفيد المصانع والبشرية بعد ذلك أصيب والدى وأسرتنا
كلها بالضعف الشديد وكنت فى غاية الأسف والحزن ولكن والدى قال يا بنى لا تحزن فهذه
قريتنا أعرفها منذ أن كنت فى سنك وأدركت الحياة ولهذا فضلت الحياة خارجها ولكن القدر
أبى إلا أن أعود إليها ثانية فلا مناص من الحياة بها حتى ييسر لنا الله العودة والرجوع إلى
العمل ثانية ..
لقد لاحظت والدتى أن جاراتها دائمين السؤال عنى
وعن أختاي المتفوقتان اللتان هما أصغر منى وبعدها أصيبت أختاى بتعب كبير وبعد فترة
طويلة من القلق والهم تم شفاؤهما بإذن الله ,وقد وتم نقل أوراقى إلى مدرسة القرية أنا
وأختاى كان من المفترض أن نحصل نحن الثلاثة على الأوائل بدون مقارنة وبدون منافسة فكنا
كذلك وسط المدينة ذات العدد الأكبر بكثير والاهتمام والتميز فى جميع المجالات والرعاية
من الأسر ولسوء الحظ لم يرض أن يشاركنا المدرسون فى الأنشطة كما كنا ولم يبالوا بنا
نحن الثلاثة واهتموا بأولاد العائلات وكل مدرس كان له أقارب كان يهتم بهم ويتجاهلنا
كأننا من أعداء البلد ولسنا من أهلها وكأننا لا قيمة لنا ونحصل على درجات أعمال سنة
بسيطة أدنى بكثير من حقنا ونظرات احتقار وعدم تقدير وكل هذا دون ذنب منا ودون أى جريمة
قدمناها لهم وأحست أختاى بالإحباط والمقت لهذه البلدة وهذه المدرسة والأسوء فى نتيجة
العام السادس حصلنا على الترتيب السابع على الفصل كانت صدمه لى ولأختاى ولوالدى وكان
فى غاية الحزن والأسى ولوالدتى أيضا التى كانت مدرسة .. وتركت العمل لرعاية الأسرة
... علم والدى بما تحتويه المدرسة ويعلم أيضا بحالتها ولكننا نحن تعلمنا ما لم نكن
نعلم به أما والدتى فقررت أن تعمل فى التدريس ثانية وحينما قررت العودة ومع أن المدرسة
كانت فى حاجة إلى مكانها إلا أن أهل البلد رفضوا تماماً وأرسلوا شكاوى ضدها دون أن
يعرفوها فهى أصلاً ليست من قريتهم ولكن لأنها زوجة أبى الذى لا عائلة له ولا عزوة ولا
سند كما كانوا يقولون ولم تستطع والدتى العمل وأصيبت بالإحباط هى الأخرى ولسوء الحظ
لوالدى لقد قرر الأطباء له أن يستمر عاماً آخر فى القرية بعيداً عن ضوضاء المصانع والتلوث
حتى تتحسن صحته ومع أن والدى كان فى أشد حالات الحزن والضيق من البلدة إلا أنه كان
يميل إلى الإقامة بها من
أجلنا ومن أجل توفير نفقات المعيشة المرتفعة داخل
المدينة وكان لجدى قطعة أرض فكان والدى يذهب ويهتم بها حتى لا يصاب بالملل من الفراغ
وحتى يساند جدى فى عمله والذى أصبح هو الآخر فى حالة صحية أشد سوءً ومن ناحية المعاملة وسط هذه القرية لم تتحسن ولم
نجد الأفضل أما أصحابنا فقد كانوا على نفس شاكلة أبائهم بالعكس كانوا يتمنون أن نتشاجر
معهم حتى يلقنوننا درساً مثل ما كان قبل ذلك والمتميز منهم كان يتكبر علينا باعتبار
أنه من عائلة ذات حسب ونسب أما نحن فكأننا مصابون بالجرب مع أن والدى كانت له مكانة
مرموقة وسط المدينة لأنهم يعرفون حالة والدى كمهندس , لم يتعاطفوا معه أويقدروا حتى
ظروفه المرضية بل كانوا يتكبرون عليه ويعبرونه ويعتبرونه بأنه لم تعد له قيمة وبأن
أقاربهم قد تفوقوا عليه وقد كان أفضل منهم وهكذا فى كل مكان وبأساليب مختلفة كان والدى
يكتم ذلك فى صدره وكانت والدتى وأختاى تبكين, ولكن ليس من سمع كمن رأى وقوبلت ببخل
المشاعر والحسد الحاد ومع كل ما أصابنا كنا جميعاً كثيري الأمراض لأننا فى مهب الريح
لا نستطيع أن نحسد لأننا لسنا مثلهم ولكننا محسودين دون أن نشعر وظللت أسأل نفسى
.. لماذا نحن ؟ هل قدمنا لهم شيئاً هل أسأنا إلى أحد إننا لم نقدم لهم إلا الخير والحمد
لله فقد تحسنت حالة والدى وقرر الأطباء إمكان عودته للعمل فى المصانع وفى نفس الوقت
توفى جدى كانت الصدمة كبيرة علينا جميعاً وأثرت على كل الأسرة ومر العام الدراسى وكنا
فى نهاية العام ولم يستطع والدى مغادرة القرية
إلا بعد امتحاناتنا والحمد لله نجحنا ولكن للأسف الشديد تأخر مستوانا إلى التاسع على
الفصل لقد كدنا أن نرسب لكن المهم الحمد لله
أننا نجحنا نحن الثلاثة وقال والدى لقد سئمت من الإقامة هنا ولن أعود إلى هذا المكان
أبداً ما حييت , أما نحن فقد أصابنا هذا الشعور
مثله إلا جدتى ولكن والدى أصر على بيع منزل جدى
وقطعة الأرض التى ورثها منه وحصل على مبلغ لا بأس
به واشترى شقة واسعة ومناسبة وفى مكان هادىء فى
مدينة بعيداً عن الضوضاء وبسعر أرخص منها فى وسط المدينة وبقى معنا مبلغ لا بأس به وأودعه فى البنك بالإضافة إلى ما بقى
معه من مال قد أدخره وأقامت جدتى معنا وكانت متضررة من البعد عن القرية ولكننا أقنعناها
...و... بعد شهر واحد من الإقامة وسط هذه المنطقة كانت فى غاية السعادة فقد شعرت بفارق
المعاملة والبساطة أكثر وقالت حقاً لأننى لم أجرب البعد عن قريتنا فلم أكن أستطيع التمييز
إلا بالتجريب ومنذ أن غادرنا القرية والألم ذهب
عن صدورنا أنا وأسرتى جميعاً , لقد كرهنا أهلنا وقلنا جميعاً لسنا من هذه القرية
ولا ولاء لنا لها إننا من المدينة ويجب أن
نتكاتف ونهتم حتى نحقق النجاح الشديد الذى يجعلهم يموتون غيظاً إننا حين نفشل تكون
قد أرحناهم وحققنا كل أمانيهم أما النجاح فهو
الوسيلة الوحيدة للإنتقام منهم .
وعادت والدتى للعمل بالتدريس مرة أخرى أما والدى
فقد جاءت له فرصة عمل أفضل لقد أصبح مديراً لشركة كبرى بعد ستة أشهر من تعيينه ولحسن
حظه بدأ يعرض ابتكاراته بصورة أكبر فقد أصبح هو المسئول الأول والمدير للشركة وعلى
علاقة بأصحاب الشركات الأخرى وأصبح أيضاً على علاقة بالمسئولين فى الدولة وحصل على
براءة اختراع ولكل الابتكارات التى ابتكرها وكانت هذه صدمة لا مثيل لها بالنسبة للقرية
ولأهلها ولم يتكلم والدى عن قريته شيئاً ولم يتذكرها ولو مرة واحدة لقد انهمك فى عمله واهتمت كل الأسرة فى الجد والاجتهاد
ولصدق نظرتنا فقد حصلنا على مكانتنا الحقيقية وسط هذه المدارس وهى المراكز الأول بجدارة
ولكنني كنت الأكثر تفوقاً من أختاى وأصر كل واحد منا على أن لا يتنازل عن التميز أصبح
والدى كثير النشاط أكثر من ذي قبل وكأنه يعمل لأول مرة فى حياته وكذلك والدتى اهتمت
بعملها وأخلصت له أكثر ومرت المراحل الدراسية والتحقت بكلية الطب وأختى الأولى بكلية
الصيدلة أما الثانية فالتحقت بالصحافة والإعلام ولسوء حظنا لقد كان هناك طلاب فى الجامعة
من أهل قريتنا وللأسف الشديد فقد كانت حجرتى فى المدينة مع أفراد من أهل قريتى كانوا
يدعون الود والمحبة .. ولا يظهر المعدن إلا بعد المعاشرة كان والدى يحذرنى منهم وكنت
لا أحتاج إلى ذلك ولكن لسوء الحظ نجد أنهم هم الذين يتقربون منا والآخرون يقولون أنتم
من بلدة واحدة ولم يكونوا يعرفون بما فى النفوس من أمراض ولعلهم لم يكونوا كآبائهم
ولكن للأسف الشديد فهم كما جربتهم فى المدرسة
وإن لم يكونوا على نفس الوتيرة إلا أنهم على وتيرة أخرى متشابهة الغريب بأن أخبارنا
كلها كانت تذهب إلى القرية وبدأ الحسد من جديد كل فرد يقارننا بأولاده وأولاد أقاربه
ولا يريدنا أن نصبح أفضل منهم هكذا أنا وأختاى أصبحنا محاطين من كل جانب الغريب أن
بعض من من فى القرية قام بعمل سحر لأهل أسرتنا
لقد حصلت زميلة كلا من أختاى على منديل كان معهما وعملت سحراً عليه بالمرض والكره لكل
من فى المنزل وعانينا الأمرين ولم نكن نعرف الأسباب وذات يوم وأثناء ما كنت أقرأ فى
إحدى كتب السحر بالصدفة دون اهتمام فقد أهداه لى أحد أصدقائى لقد فهمت الأعراض وتأكدت
أن ما أصابنا كان من السحر وعلمت بعد ذلك أن هناك من المشايخ من يعالج السحر بالقرآن
فقد كنت فى غاية السعادة فما علمت أن النبى (ص) نهى عن الذهاب للدجالين والكهان والعرافين
وكنا نخاف أيضاً أن يخدعونا فهم لا أمان لهم وأخرج الشيخ السحر بعد مجهود كبير وتأكدنا
أن من فعله لنا هم أهل القرية لم تكن بيننا وبينهم أى صلة ولم نقدم لهم أى إساءة على
طول إقامتنا فيها بل بالعكس إنه من امرأة مسنة
وكبيرة ولكن لأنها لا تريد أن يكون أحفاد جدتى أفضل من أحفادها حتى بعد بعدنا عن هذه
البلدة المشؤمة لم نسلم منها وهنا تأكدنا جميعاً وقد أصبنا بالإحباط أن أهل هذه القرية
لن يتركونا ولو ذهبنا إلى أقصى الأرض حتى ولو كانوا بعيدين عنا فهم سيعرفون أخبارنا
ويعرفون أحوالنا ولن نسلم من أعينهم أو من يدهم أو ألسنتهم أو من شرهم وأخذنا قراراً
على كل الأسرة بمقاطعة من ينتسب إلى أهل هذه القرية مهما كان حتى ولو كان إمام مسجد
وعدم التحدث بأى أخبار لنا مهما كانت لأى أحد وانتهى العام الجامعى بمراحله لكل الأسرة
لقد حصلت على الأول على الدفعة وأصبحت معيداً بكلية الطب أما أختى الأولى فقد انتهت
من كليتها وأصبحت صيدلانية والثانية صحفية وأصبح اسم والدى لامعاً فقد قدم ابتكارات
فى مجال عمله لفتت أنظار العالم كله وأصبح اسم والدى مدوياً فى الآفاق وهنا استراحت
نفسى وشعرت بشيء من الرضا أما أنا فقد قابلت معيدة بكلية الطب وكدنا أن نتفق على الزواج
ولكن حين علمت أنها صديقة لمعيدة فى كلية أخرى من قريتنا قطعت صلتي بها وتزوجت معيدة
بكلية الهندسة بنت عميد كليتنا وكانت صدمة مدوية لأهل قريتنا جميعاً لقد علمت ذلك من
بعض الأشخاص المقربين منها بعضهم لم يزدادوا إلا مرضاً وهماً وغما بما حققناً من نجاح
ولكن تعلمت فكنت لا أقول له بعد ذلك شيئاً عنى وحتى لا يصل الخبر إلى أهل هذه القرية
وكتمت كل أسرارى عنهم , وأصيبت أختاى فى حادث في مكان بعيد من القرية والحمد لله لقد نجيتا ولكن بإصابات كبيرة وبعد فترة
طويلة من العلاج تم شفاؤهما ولكن للأسف لقد علمنا أن الذى صدمها كان من القرية مع أنه
كان فى مكان بعيد جداً عنها ولتأكدنا من سوء نيته أن لم يصب بشىء لأنه كان مخططاً لما
فعل بدقة ولم يتدخل أحد منا ولا والدى ولا أنا مع علمنا بسوء نية أهل قريتنا وأحقادهم
وتجاهلنا ما حدث منهم ولم يكن أمامنا إلا ذلك
حتى لا نظهر لهم بأنهم قد انتصروا علينا والحمد لله وبدأنا فى الحرص الشديد فى كل خطوة
وحركة وكلمة نتكلم بها حرصاً من أن يصيبناً حقد أو حسد من هذه القرية
والحمد لله فقد تزوجت أختى من معيد فى كلية الصيدلة
كان زميلاً لها وكان على خلق واسع ونبيل , أما الصحفية فقد تزوجت من ضابط شرطة ووالده
يعمل مستشاراً أصبحت أسرتنا أسرة ذات نسب وسلطة
وعلم وابتكار وهذا ما أصاب أهل قريتنا جميعاً بالكره والإحباط من ناحيتنا وأصابنا بالحرص
فى كل حياتنا خوفنا من أصابتنا منهم بأى أذى ومرت الأيام وتفوقت فى عملى وتفوقت زوجتى
وبعيداً عن عين قريتى جميعاً حصلت زوجتى على جائزة نوبل فى الفيزياء وحصلت أنا على
جائزة نوبل فى الطب والفسيولوجى .
أما زوج
أختى فأصبح رئيساً للجامعة وزوج أختى الثانية فقد أصبح وزيراً للداخلية وأصبحت أختى
الصحفية رئيسة تحرير أكبر الجرائد فى البلد
وهنا أصبح اسم أسرتنا على كل لسان وتذكرنا قصتنا وقصة والدى رحمة الله عليه وحكينا
قصتنا وقصة بلدتنا هذه على الشاشة الفضية وهنا علم العالم كله بأن هناك قرية مثل هذه
القرية تمتلىء بالحقد والحسد الذى لا نظير له وأصبح اسمنا المدون فى تاريخ الابتكار
والعلم والسياسة إلى الأبد مقترنا بهذه القرية وسميت بالقرية الظالم أهلها .