كنا عائلة واحدة تعيش في منزل مكون من ثلاثة أدوار والدي وأسرتي في الدور الأرضي وجدتي كانت تعيش في حجرة وحدها وعمي كان في الدور الثاني أما عمتي فكانت في الدور الثالث , وقد عاشت معنا لأنها أخذت نصيبها من ميراث جدي شقتها هذه التي تسكن فيها مع أولاده , الأربعة كان أصغرهم في مثل سني أما عمي فله ثلاثة أولاد أولهم أكبر مني بسنتين والوسطي في مثل سني والأصغر اقل مني بسنتين اما إخوتي فكانوا ثلاثة غيري من البنات أصغر مني سنا بالترتيب كان والدي أفقر إخوته وأمي كانت من أسرة فقيرة كذلك بينما زوجة عمي وزوج عمتي أيضا من عائلتين ثريتين كان والدي ودودا لهما ومخلصا لهما إلي أقصي درجة ومع ذلك كانا كثيري التكبر والغرور عليه ولكنه كان يتجاهل ذلك وكان يسامح ويعتبر أنه مسئول عنهما وإن كان أصغرهما , حتي جدتي كانت لا تحب أمي لأن أمي كانت كثيرة التشاجر معها ولم تكن تستطيع أن تتفاهم معها ولم يبادل عمي ولا عمتي أي حب او تقدير لها بل كانا أشد قسوة من جدتي معها ولهذا فكانت تعاني منهم جميعا , علي حين يزيدها قلقا إخلاص والدي لهما وكانا يخافان علي أنفسهم منا من الحسد مع أنهما كانا يخفيان عنا كل شي ولا يجودا علينا بأى شىء مهما تحسنت حالتهما ولم نلق منهم غير الكبر والحسد وقسوة القلب وسط هذا الجو نشأت أسرتنا الصغيرة وكان كلما تشاجرنا أنا وإخوتى الصغيرات الفتيات يشمت عمى وعمتى وأولادهم جميعاً فينا.
أصبحت تلميذاً فى الصف الرابع الابتدائي حتى استوعبت مثل هذه الأمور فقد كنت لا أدرك أى شىء وكنت لا أستوعب ما يدور حولى ولما بدأت فى هذه المرحلة السنية بدأت وحدى أجتهد فى المدرسة فقد كنت مجهولاً لا أعلم
لماذا ؟ وكنت متميزاً ولكن لم أكن بدرجة طيبة فقد كنت متميزاً فى الفصل وفى الأنشطة العادية بدأت أكثر أتقرب إلى جدتى وأسمع منها الحكايات وأجلس معها فى حجرتها كانت والدتى تصاب بالضيق منى ولكننى لم أكن أهتم بذلك وأقول لها إنها جدتى وإن كانت تتشاجر معها فلا أستطيع أن أفعل معها شيئاً الغريب أن جدتى أحبتنى حباً شديداً بالتدريج لدرجة أنها كانت تشترى الحلوى لى وحدى دون غيرى من أى فرد فى المنزل ولم يكن يهتم أحد بذلك فيعلمون أننى الذى أتقرب إليها وأجلس أسمع لها وإن كان بعض أولاد عمى وعمتى يجلسون ليسمعوا أحياناً حكاياتها ويستمتعوا بالحلوى ولكن الغريب والأدهى بعد ذلك أننى لمع نجمى فبدأت أتميز فى المدرسة وبدأ إعجاب المدرسين بى يظهر وخاصة بعد ظهور نتيجة الصف الرابع وحصولى على المركز الأول وجدت صمتا من الجميع ما عدا جدتى فقد ازدادت لى حباً وفرحت فرحاً شديداً أما إخوتى فلم أجد مبالاة منهم والعكس من الطابقين الثانى والثالث واستمر كل شىء على ما كان عليه , وكنت مشاركاً لزملائى والأصدقاء والجيران فى كل شىء فكنت دائماً ما أصنع علاقات صداقة قوية بينى وبين بعض الأصدقاء وهذه الصداقة تستمر وتصل إلى منازلهم فتحبنى أسرتهم كلها الغريب أنهم كانوا لا يحبون عمى ولاعمتى وحينما يعلمون أنهم أقاربى كانوا ينفرون منى ولكن لحسن معاملتى مع أولادهم وحبهم لى كانوا بعد العشرة والمعاملة يحببوننى ويثقون في .. وكنت أسمع من البعض أحياناً بعضهم يقولون عن عمى بأنه جاف الطبع والبعض عن عمتى بأنها سليطة اللسان , والبعض يقول عن جدتى بأنها قاسية والبعض يقول عن أمى بأنها بلهاء كل هذا لا أسمعه من فرد واحد فقد كنت أسمع للآخرين بدون تحرج ولا أحزن من أى رأى يقال لى كنت أحزن من كل هذا ولا أبالى فإن الآخرين يهمهم معاملتى مع أولادهم فقط والجميع بدأ يشهد لى بالخلق القويم وكانوا يقولون على والدى بأنه كذلك ولكنه عصبى المزاج , وبدأت فى الصف الخامس0
وبدأ يشهد المدرسين جميعاً لى بالتفوق والتميز والمحبة خاصة من بعض المدرسات اللاتى كانت أشعر تجاههن بالأمومة0وكانت المشاجرات دائماً فى هذا المنزل بين كل الأولاد الغريب أن عمى كان سليط اللسان مع زوجته وعمتى كانت سليطة اللسان مع زوجها وكانت تحكم دارها وهما لا تعاملان والدتى إلا بالطبع السىء وإخوتى البنات يشعرن بالحرمان الحاد من هذا الجو القاتل ولكن ما ذنبى أنا فقد كنت منشغلاً بدراستى وبمناهجى وبدأت أحفظ القرآن , وأجتهد فى حفظ القرآن وأعجب الكثيرون بى وبحسن خلقى وكلما تأتى أخبار إلى هذا المنزل الملىء بالكره والمقت كانوا يزدادون كرها لى وكنت أتجاهل ذلك وأقول كفاهم ما هم فيه ونجحت فى الصف الخامس بتفوق أكبر ولفرحة جدتى صنعت لى حفلة بسيطة بمناسبة نجاحى وتميزى واحتفظت عندها بشهادتى وبدأ والدى يهتم بى أكثر ويوجه اهتمامه لى وبالتالى بدأت أخواتى يشعرن بالحرص فى التعامل معى أكثر أما الباقى فبدأت نفوسهم تنقلب من ناحيتى وإن كانت قبل ذلك غير سوية ولكننى بدأت أشعر بمسافة كبيرة بينى وبينهم أما والدتى فقد كانت مظلومة مع الجميع لم أعد أبالى بأحد ولكننى وجدت أن الدنيا كلها بدأت تصبح ضدى فحب جدتى واهتمام أبى كانا بداية العذاب فى حياتى كلها وسط هذا الجو الملىء أصلا ً بالمتاعب والخلافات ومع ذلك لم يكتف أى فرد عن ما يحويه بداخله للآخر ولكن التغير فقط أصبح ناحيتى أنا .. وحتى شكلي لهم كأنه أصبح نقمة عند الدورين الأول والثانى ومع ذلك لم أكن أشعر بكل هذه الأمور فقد كنت أعلم أن ما عندهم سببه هذه الخلافات وكنت عندما لا أجد قبولاً أو أشعر بملل فى التعامل كنت أنصرف فقط وفى الصف السادس الابتدائي تجاهلت هذا ولم أحب أن أذاكر مع ابنة عمى كما كان والدى ينصحنى لم أكن أشعر معهم بالمودة فكنت أذهب مع زملائى وأشرح لهم الدروس فكانوا يحببوننى ويعترفون بذكائى أكثر بينما فى منزلى المشاحنات والنفوس ممتلئة إلى آخرها .
بدأ حب جدتى لى يظهر أكثر ويصبح ملموساً حتى زوجة عمى بدأت تغير معاملتها إلى الأسوأ الغريب أن كل هؤلاء كانوا أمام الناس مثالاً للمحبة والصدق والحرص على وحين يسألهم أحد على يقولون إننى بخير إننا نحبه مثلكم من ناحية آخرى أجد من لا يعرفنى يقول لى إنك سىء المعاملة مع أقاربك وأظل أحكى لهم ولكن لا جدوى الانطباع يسود عنى عندهم ومر العام السادس وحصلت على المركز الأول على المدرسة اضطرمت النار فى قلوبهم جميعاً ودون أن يشعروا ... الوحيد الذى ازداد اهتمامه به هو والدى وهو ما يزيد إخوتى البنات سوءً لى الغريب أن والدتى كانت تعاملني معاملة خاصة باعتبار أننى الولد الوحيد والأول فى أولادها وهذا ما جعل إخوتى البنات يكرهونني أكثر ويمتلئون بالمقت لى كل يوم ولكن ما ذنبى فى ما حدث أما جدتى فأصبحت أنا وحدى فقط هو الذى تحبنى كانت تشترى لى ما أطلبه من مالها الخاص لم تعد تعطى لأحد غيرى أصبحت معروفاً عند الجميع بأننى المحبوب عندها وعندما تعرف أننى مريض أو حزين أو أى شىء كانت تنقلب أحوالها وتحزن وتفعل كل ما بوسعها وكان عمى وعمتى وأزواجها يحاولون أن يجعلانها تكرهنى ولكن كانت جدتى ذكية وتفهم أحقادهم ولهذا كانت تردهم وتسبهم وانقلبت على بعضهم وللأسف فكانت تقول لى ما يحدث منهم وكان هذا يترك أثراً سيئاً فى نفسى ولكن كنت أعرف وأكتم فى نفسى ولا أعلم أحدا بما فى صدرى لهم وبدأت أسأل نفسى لماذا أنا ؟هل كنت ملعوناً وسط هذا المنزل هل أنا مقصر ؟ بدلا من أن يشكروننى على أننى أسلى جدتى التى هى أمهم أو أقول جدتهم بدلاً من أن لا تجد أحداً يسأل عنها ومع ذلك فهذا الحب لم يبخسهم حقوقهم ولم أقابلهم مقابلة سيئة بل كنت أعاملهم فى أول الأمر مع كل ما يصدر منهم نفس المعاملة ولكن هم الذين أرونى الوجه الآخر .
لم يقتصر الأمر على ما بداخلهم فبعد هذا النجاح بدأت المعاملة تزداد سوءً مع أسرتى من الدورين الثانى والثالث بدأت المكائد تجاهى من الداخل والخارج وأصبحت حياتى شبة جحيم وأصبحت مثل الأجرب وسط الأصحاء وأبى مهما كان ووالدتى منهمكين فى الفقر والظروف المحيطة بهما مع ذلك أصبحت والدتى ضدى فقد امتلأت بالغضب من أتفه الأسباب نحونى والسبب هم إخوتى البنات وزوجة عمى التى يقنعونها بأننى تعودت علي الكره من خلال جدتى التى كانت تتشاجر معها كثيراً ولكن لماذ1 تحبنى أنا ؟ لم أكن أنا ذو اهتمام بمثل هذه الأمور , وحتى لو كنت أهتم ماذا أصنع ما على إلا أن أهتم بما ينفعنى فهو الشىء الوحيد النافع والذى سيبقى لى ومع ذلك بدأت أشعر بالخوف الشديد لم أعد أجد أماناً فأصبح منزلى هذا الممتلىء بالأقارب هو مصدر الشعور بالخوف والقلق بمجرد أن أدخله كأننى دخلت السجن الغريب أنه أحياناً ما تذهب أخواتى البنات أو عمتى إلى الأشخاص الحاقدين والذين يخافون هم على أنفسهم منهم ومن حسدهم كانوا يحكون أمجادى وبأننى حصلت على الدرجات النهائية فى كل المواد كانوا يبالغون جداً حتى تصيبنى أعينهم وكذلك أولاد عمتى وأولاد عمى بعضهم كذلك وبعضهم يكشر فى وجهى وبعضهم يحاول إحراجى أمام الزملاء أنا كنت أسمع ذلك وأعرف أن حكاياتى هذه تحكى لهم , وكنت أتساءل لماذا يمدحون فى أمام هؤلاء بالذات ؟ ولم أفهم إلا متأخرا والبعض الآخر يشكون إلى منهم وحتى المدرسين الغريب أن المدرسين والمدرسات بدؤا ينقلبون في مشاعرهم ناحيتي ويغيرون معاملتهم معى ولم أكن أعلم بما يحدث إلا بعد أن تتغير النفوس فالبعض يقول على دون أن يعلمنى بأنني إنسان ذو خلق سىء كان بعض المدرسين يسيئون إلى أمام التلاميذ ولكن ماذا أصنع ما كان على إلا الصبر حتى تمر الأيام و أعتذر له أصبحت مصاباً بالإحباط وسط هذا الجو الخانق ومع ذلك فوالدى فقير ودخله قليل وبعد هذا الكره أصبح الكل ينصحنى ولكنه فى الحقيقة يكرهني يقولون لى تعلم حرفة لتساعد والدك فأنت الرجل الوحيد فى الأسرة ووالدك فقير كنت أعلم أن من ينصحنى هذا إنما يعيرنى وأقول فى نفسى إذا كنتم تسعون فى النصح و تنصحوننى فلماذا تكرهوننى ولماذا لا تساعدوننى ومع ذلك أنا لم أطلب من أحد منهم مساعدة ولم أطلب من أحد منكم نصحاً والأجمل أننى وجدت مدرسة جديدة فى بلدة بجوار بلدتنا كانت تقبل الطلاب من أى بلدة وهى مدرسة للمتميزين نسبياً لمن يحصل على مجموع 75./. وبالتأكيد من حقى أن ألتحق فمجموعى 95./. خمسة وتسعون فى المائة ووجدت فى هذه المدرسة الإعدادية البعيدة عن بلدتى التى تشوهت صورتي بفن جميل فيها ولمع نجمى إلى أقصى حد التميز الخلقى والتميز فى الأنشطة والتميز فى الرياضة والتفوق فى الدراسة لقد جمعت كل مصادر التميز كلها ومحبة الجميع لا أعلم لماذا بكل هذه السرعة وحصلت علي الأول بجدارة كانت الأخبار تصل إلى منزلى مثل الفضيحة التى تصيبهم كانوا يتلوون من الغيظ .
ولكننى كنت أتجاهل ذلك وأمتص الغضب بقدر المستطاع فقد فهمت مشاعرهم ومع ذلك فقد كان أولاد عمى وأولاد عمتى شبه ممتازين فلماذا ينظرون إلى وحدى الذى زاد الطين بلة هو حب جدتى البالغ لى ومع ذلك فإن هذا الحب ناتج لمعاملتى لها لماذا أنتم لا تحبونها مثلي وتودونها فتودكم وبدأت الإجازة في العام الأولي الإعدادي , بدأت أساعد والدى في الحقل فقد أصبت بالحرج فقد كبرت واشتد عودي لدرجة تسمح لي بمساعدته ولكن ماذا أصنع أيضا تجاه هذه القلوب الممتلئة بالحقد والمرض والتى تجردت من المشاعر الطبيعية الفطرية لقد كان عمى وعمتى وزوجيهما ينصحان والدى دائما بأن يأخذنى معه فى العمل وبأننى الرجل .. يجب أن أكون بجواره دائما وماذا سينفعنى التعليم بعد ذلك وحتى لو أكملت التعليم متى سيفيدنى إن الطريق طويل , كان والدى يحب إلى أقصى درجة التعليم ولكن الكلام يؤثر فيه ويغير من طبيعته معى لا محالة00 وخاصة حين يأتى بفن محكم ومن فرد متمكن من الخداع 00 ومع ذلك فأنا بطبيعتى كنت سعيدا بما أفعل فأنا أحب مساعدتها وأسعى دائما إليها دون أن يطلب منى أحد وإن كانت تصرفاتهم تؤلمنى أشد الإيلام00 كانت المشاجرات تحدث بينى وبين إخوتى وأنا عائد منهمك من العمل ولم أجد إلا الفرح والشماتة وزيادة التبكيت في وحدي دون الجميع 0 فكأن كل فرد ينتظر أن يحدث خطأ بسيط منى ولم يكن لى منفذ وحيد إلا جدتى ولكنها كانت فى غفلة عن هذا فسنها قد جعلها لا تسمع ولاترى إلا ما أحكي أنا لها أو حينما تسمع صراخى من ضرب والدى لى أومن صياحى مع البعض أثناء المعارك فكانت تنهض على الفور لنصرتى وتخرس كل الألسنة ولكن هذه الألسنة تمتلىء بالحقد والمرض لتدبر لى شرا أو تنتظر لى أمرًا جديداً الغريب أنهم كانوا يتظاهرون أمام الناس وأمام الأقارب الأخرين والأصدقاء بود وحب يكاد يجعلهم يحسدوننى على ما أنا فيه ولكن لأننى أفهم ما يدور بنفوسهم فكنت ازداد شعورا بالخوف والقلق أكثر وأميل للإكتئاب فى سن مبكرة ولكن ماذا أصنع ؟ فوالدى ووالدتى لا يفهمان هذه الأحقاد وإن كانا أيضاً ضحية وسط هذه الأسرة المفككة فقد كانا مطحونين إلى أقصى حد وسط عبء الحياة ومسئوليتها وسط هذا الجو
00 ورثت زوجة عمى من والدها قطعة أرض كانت زراعية وتحولت إلى أرضٍ صالحةٍ للبناء , فجلبت عليها مالاً وفيراً أصبحت بذلك من الأثرياء جداً وهذا ما زادهم تكبراً علينا وحقداً أكثر لى فأصبحنا وسط لا شىء0
وجاء العام الثانى الإعدادي بدأت أشترك فى المسابقات والحقيقة أن حبى للمسابقات كان من أجل المادة فالمبلغ البسيط الذى أحصل عليه كنت أعتبره مصدر دخل ينفعني وكنت أحصل على شهادات استثمار أجمعها ليذهب والدى إلى البنك فى نهاية العام ويصرفها من البنك وكنت أيضًا أذهب فى رحلات الصيف التى تصنعها الدولة للتلاميذ المتميزين فى الثقافة والألعاب الرياضية والخلقية ومع ذلك حصلت على الترتيب الأول على المعهد .
ذلك الأمر زادهم حقداً أكثر ولم أبالى وكنت أذهب مع والدى للعمل والمساعدة فى أمور الحقل وجدتى تغدق على بالهدايا والأموال التى أحتاجها وكانت تشترى لى ما أحتاجه من ملابس وكل ذلك يزيد الأمر تعقيداً عندهم وحينما كنت أمرض كانت جدتى تجلس على راحتى وتتجاهل والدتى ومشاحناتها معها فتجلس على راحتى أما أقاربى فلم أجد أى تحرك ولو بالكلمة تجاهى وكنت لا أبالى وما أزداد إلا إصراراً الغريب أن كل أصدقائى كرهوا زيارة منزلى من ما يسمعون من مشاحنات أحياناً وما يسمعوه من أقاربى عنى أحياناً وما يجدون من عدم إكرام للضيف أحياناً أو نظرات تؤذيهم فتجعلهم يقسمون أن لا يدخلوا هذه الدار أبداً وهذا ما زادنى اكتئاباً وقلقاً وحينماً كنت أذهب كثيراً لزيارة أصدقائى وأظل مدة طويلة كانت عمتى التى تدعى الحرص على مصلحتى تنصحنى أمام أصدقائى بأن لا أطيل الزيارة عند زملائى حتى لا أخدش حياءهم وهى لم تكن تعرف بأن معظمهم كان يحب زيارتى وبأننى لم أكن أهتم بما لا يعنينى وكنت أتحاشي أوقات الغذاء حتى لا أسبب قلقاً أو إيذاء لمشاعرهم ومع ذلك فكنت أحياناً ما أذاكر للضعيف منهم فكانت هذه وسيلتى الوحيدة لتعويض ما يفعلون تجاهى .
والتحقت بالعام الدراسى الثانى وتكرر ما حدث فى العام الأول إلا أن النجاح والتميز كان مبهراً أكثر والفرحة لجدتى كانت أكبر والحقد زاد أكثر وزادت الأعباء على يقولون أنت كبير الأسرة أنت ظهر والدك ما كان على إلا أن أرضي بذلك وهذا شىء فى حد ذاته يفرحنى وهو العمل ولكن ما كان يحزننى هو ما فى الصدور والمهم انتهت الإجازة .
فأخذتني من العمل الشاق هذه المرة الرحلة الطويلة التى أرسلت إلي بها المدرسة إلى لتخلصني من عناء العمل فى الحقل فى الصيف القارظ وكانت قبل الدراسة بأسبوع , ودخلت فى العام الدراسى الثالث وأصبحت محطاً للأنظار الكل ينظر إلى بأننى من أفضل الطلاب خلقاً وعلماً وأنشطة حصلت على الطالب المثالى على المدرسة .
ومع كل ما كان يفعله بعض أقاربى فى هذه المدرسة من أساليب ملتوية للتشويش على إلا أننى بجهدى الرائع كنت أغطى عليهم وخاصة وأن المدرسة فى غير بلدى وكان هذا أفضل قرار قمت به وللمفاجأة المذهلة لقد حصلت على المركز الأول على المحافظة فى الصف الثالث الإعدادي وجاء اسمى فى الجرائد الرسمية وحصلت على جائزة كبيرة أعطيتها لوالدى وكانت مفاجأة مذهلة لأقاربى جميعاً وكانت ضربة قاسية وقاصمة لهم لن يستطيعوا تغييرهاً ولكن الفرحة لم تتم لقد مرضت جدتى مرضاً شديداً تحتاج فيه إلى رعاية كبيرة وكانوا جميعاً يتجاهلون رعايتها ويقولون لى إنها تحبك وتعطيك من مالها فعليك إذن بأن تكرمها وترعاها ولأنها كانت تجلس بجوار حجرتى فما كان على إلا أن أتحمل رعايتها وأتحمل مساعدة والدى فى الحقل وأتحمل مقتهم وغضبهم وأحقادهم حتى تمر هذه الموجة العاتية ومر العام الأول الثانوى وبدأت أنشطتى تقل ومع ذلك حصلت على الأول
على المدرسة ولكن ضاعت الجدارة والتميز عندى سواء فقد خفتت صورتى وسط هذه الأجواء وبدأت أشعر بمسئوليتى المادية تجاه أسرتى وللمأساة الشديدة لقد توفيت جدتى إثر نجاحى وحصولى على شهادة تقدير من المدرسة بالمركز الأول.
وكانت الفرحة غامرة عند كل المنزل ما عدا والدى الذى حزن بعمق حتى والدتى فرحت فى جدتى لأنها كانت عبئاً عليها وكانت تتشاجر معها لأتفه الأسباب وبعد وفاتها وجدت الشماتة فى من إخوتى لقد قالوها لى بأسلوب مباشر دون كتمان لقد ماتت التى كانت تفضلك علينا أما الدورين العلويين فقد ازدادَ سوءً معى ومع والدى أكثر من تكبر وعناد ومع ذلك لم أكن حزيناً فقد توقعت هذا منهم ولكن نسبيا فإن وجود جدتى كان يمنعهم من التصريح بأمور كثيرة من الكره والأحقاد ولم أبالى بهم لقد اهتممت أكثر بدراستى وحصلت فى الصف الثانى الثانوى على الأول وهذا المتوقع ولكن بدأ مجهودى العلمى يقل وأنشطتى تضعف وأصبحت مسئولاً أمام الجميع بمساندة والدى أكثر ومع ذلك لم أهتم ولم أتخلي عن هذا المجهود ودخلت فى العام الدراسى الثالث وأصبت من جراء هذه الضغوط المستمرة بعدة أمراض كالتهابات مزمنة فى الكلية وغيرها وتحولت إلى فرد آخر أكثر اكتئاباً وأكثر ضعفاً وأقل حيوية ونشاطاً ومن يرانى لا يعرفنى من أثار الحزن الموجود على ملامح وجهى والاكتئاب الذى يسيطر على وللأسف الشديد فازادت المعاملة سوءً من هؤلاء وكانوا يقولون للناس إن ما أصابه ناتج من غضبنا عليه .
بسبب سوء طباعه معنا مع أننى لم أقدم لهم أى شىء يسىء إليهم , ومع أنهم هم الذين يقدمون إلى الأسوء حتى وإن لم يقدموا فكفاهم أنهم يحرموننى من الحب النفسى الذى يحتاجه الفرد الطبيعى من أقاربه لم يكن بوسعى إلا أن أستسلم للمرض الذى يزداد كل يوم فى نهاية المرحلة الثانوية وأخيراً انتهت المرحلة الثانوية وحصلت على مجموع ضعيف , التحقت بكلية العلوم بأدنى درجة لها وقد كنت فى حالة نفسية وصحية مؤلمة ولكن خف عن كاهلى جانب المنافسة والشعور بالحقد منهم خاصة فى هذه المرحلة التى كانوا ينتظرون جميعاً منى أن أحصل على أدنى الدرجات بعد علمهم بتعبى المستمر والذى حرمونى من الدواء الأساسى فقد كنت أستعيض ببعض الأدوية الرخيصة لأننى أعلم أن عمى وعمتى مع حالتهم الميسرة لن يتقدموا لى إلا بالسب والإهانة والشماتة فى مرضى وسيقول كل واحد منهم لى اذهب واعمل وكافح حتى تحصل على الدواء المناسب لك إن أمثالك ينفقون على أسرة بكاملها يجب أن تتعظ من الآخرين هذا ما سمعته تماماً من كل فرد منهم على حدة وكأنه يحفظ ما يريد أن يقول الآخر . ولسوء الحظ بدأ والدى يمرض مرضاً يحتاج فيه إلى رعاية وهو الروماتيزم يجب أن يقل مجهوده ويزداد علاجه وتزداد عصبيته , وما على إلا أن أبذل ما بوسعى حتى أساعده وحتى أساعد نفسى فإن مصاريف الحياة أكثر وأيضاً يجب أن أساعده وأتنازل حتى تتزوج أخواتى البنات الكارهات لى واللائى يدعين أنهم يمتلئن حباً وحنانا لى . وإن كانت قد زادت الدرجات من التعيير لى بفقرى ومرضى وقلة حيلتى وأنصارى ولم يعرفن أنهن من المفترض أن يكن درعى وسلاحى ضد الهم وإن كن مصدر الهم والقلق فكنت أجد المخرج الوحيد والمناسب فى زواجهن ولهذا بدأت أصبر وأتحمل هذا الألم
فخروج كل واحدة زوال لباب من الفقر ثم الكره الذى لا مناص منه والذى يظهر للناس أنه رمز للرحمة والود ومع ما لاقينا من الحرمان والضغوط المادية والنفسية من جراء زواج كل واحدة إلا أننى علمت أن هذا هو الحل الوحيد فصبرت حتى تزوجت الواحدة تلو الأخرى وتزوجت بنات عمى وعمتى أيضاً فانزاح عن كاهلى الكثير من أبواب الحقد التى كانت تكتم أنفاسى وبالطبع لم تتغير نفوسهن تجاهى ولكن بعدن عنى وانشغلن بأمورهن الخاصة وكانت هذه آخر سنة فى كلية العلوم فنجحت بتقدير جيد وبدون نشاط دراسى ... كنت وحيداً مع والدى المريض فى المنزل ووالدتى وأعمامى الكارهين وأولادهم الذكور الذين أنهى بعضهم دراسته وبصحة جيده وقاموا بعمل مشروعات تتناسب مع إمكانياتهم المادية وأصبحوا فى شهور قليلة ممتلكين رؤوس أموال أما أنا فالفقر وقلة الحيلة والمرض هو ما ينتظرنى إلى جانب كرههم وشماتتهم ولو بعيونهم وحتى بألسنتهم ولو بأساليب غير مباشرة كالمقارنة بأولادهم باعتبارهم ينصحوننى وإن كانوا يعيروننى فى الحقيقة ومع ذلك فمن المفترض عليهم الوقوف بجوارى فى عمل أى مشروع مربح بدلاً من الأساليب الملتوية .. ولكننى تجاهلت ذلك مع شدة قلقى وتعبى النفسى وتجاهلت نظراتهم واتجهت من جديد إلى القراءة والاطلاع وزاد اطلاعي أكثر فأكثر مع اتجاهى للعمل الذى يساعدنى علي نفقات الحياة , ومرت الأيام وأنا منهمك فى الثقافة والعلم ووالدى يزداد مرضاً وهم يزدادون غنا وتكبراً فتزوج كل فرد من أولاد عمى وعمتى من زوجات جميلات من أسر غنية وبالتالى أصبحت أنا آخر الركب فقد تفوقوا علي جميعاً فى كل شىء ومع ذلك أنا فى أشد درجات السعادة بسبب نجاحهم ولكن هم على النقيض بالنسبة لى . ومرت الأعوام واشترى كلا من عمى وعمتى منزلاً جديداً لهم بعد أن تحسنت حالتهم المادية وكان هذا أكبر راحة نفسية لى لقد خلاً البيت تماماً من الكارهين لى تماماً ومرت الأيام ووالدى يزداد مرضاً ولكن لسوء الحظ لقد توفى وأصبحت وحيداً فى الدار مع والدتى واشترينا نصيبنا من عمى وعمتى فى المنزل فأصبح لنا وحدناً دون شريك أو منازع وفجأة وجدت نفسى أؤلف كتاباً جديداً ولم أكن أفهم فى هذا الأمر كثيراً ولا فى كيفية التصرف فى وضع الكتاب وكتمت هذا الأمر عن أقاربى ومرت أعوام وأنا أحاول أن أدخل فى هذا الأمر ولكن لا مال ولا خبرة وبعد عدة أعوام طبعت أول كتاب لى وحصلت على المال الذى كنت قد اقترضته وأنفقته على الكتاب كان هذا الكتاب ناراً قد حرقت صدور كل الحاقدين على قبل ذلك لم يصدقوا لقد يئسوا منى لقد شمتوا حتى استراحت نفوسهم وكانوا يقولون حينما يروننى مريضاً أو فقيراً وأنا أتحمل أعباء مرض والدى وحدى هذا جزاء حب جدته له , إنها لو كانت طيبة لما أحبته وحده , إنها سيئة مثله وهذا هو الدليل على ما هو فيه كان الكلام يعذبنى , ومع ذلك يتخاذلون عنى خذلاناً شديداً ولكن هذا الكتاب البسيط الأول كان دافعاً حقيقياً لنجاحى لقد بعث فى الأمل وكان إعلاناً لكل المحيطين بى لأننى لم أزل حياً وبأنني لم أزل مبدعاً وبأن تفوقى التقديم كان له أسباب وأن تخلفى عن الركب له ظروف خاصة قهرية ومرت أعوام وأنا أيضاً مطارد بين الفقر ومتاعبه فقد أصبح عمرى ثلاث وثلاثون عاماً ولا حيلة لى ولا قدرة لى على أن أصبح رب أسرة ومع ذلك اندمجت فى القراءة والثقافة والعلم وألفت كتاباً ثانياً وتعبت أيضاً حتى أطبعه وكان هذا الكتاب فاتحة خير لى وكان وسيلة قوية لتعميق تميزى الحاد الذى حرق قلوب كل الحاقدين على لدرجة لا مثيل لها فحينما حكيت قصتى معهم لأحد الكتاب مثلى قال يا صديقى إن الكتاب هذا هو أكبر انتصار لك عليهم إن أمثال هؤلاء لن يستريحوا أبداً طالما أنك حى مهما كان وضعك وبالتالى يتمنون موتك فى كل لحظة من ما يغلى فى صدورهم الذى كلما قدم الوقت ومر علي مؤلفك كلما ازددت شهرة وكلما تحرك كلما تحرك اسمك وبالتالى لو مت لن يموت كتابك وحتى لو حرق أحدهم كل ما لديه من كتب عنك فلن يستطيعوا أن يحرقوا كتابك وبالتالى يزيدهم هذا الكتاب ثم الآخر مرضاً فكأنه أكبر انتقام منهم إنك تؤذيهم أشد الإيذاء بمجرد رؤيتهم لكتابك فى أى مكان أو تناول الآخرين للحديث عنك لقد أراح صديقى صدرى بما قال ليس لأننى أحب الانتقام
ولكن لأننى شعرت بالأمان النفسى وهو ما يدل على أننى أمنت نفسى من تجاههم وقفلت باباً كان مليئاً ناحيتى بالحقد والشر بقدر المستطاع وأنا بطبيعتى لن أحتك بهم ولا أحب التعامل معهم إلا بالخير ولن أدع لأحد فرصة أن يتشاجر معى الغريب أننى بعد هذا تحسنت حالتى الصحية بدرجة معقولة وجاءت بعد ذلك لى فرصة عمل فى إحدى المؤسسات الراقية .
وجدت فتاة ذات خلق ودين كانت تعمل مذيعة وتلاقينا كثيراً دون قصد ولكنها أحبتنى حبا شديداً لدرجة لا تصدق صارحتني بذلك , وقالت لوالدها بذلك الذى عرض على الزواج منها وكنت رافضاً بسبب ما بين حالتى وحالته وشتان ما بين وضعى ووضعه ولكن أصدقائى المخلصين عرفوا بذلك ونصحونى بأن لا أترك هذه الزوجة المحبة والصريحة وتزوجت منها وعشت حياة سعيدة وقلت ماذا كنت سأفعل لو لم أتزوج بهذه الزوجة الجميلة والمخلصة لى والمحبة لى وبدأت أشعر بأننى لم أعش قبل هذا اليوم يوماً واحداً ولهذا بدأت طاقاتى تتفتح وفكرت فى أن أدرس الماجستير والدكتوراه فى كلية العلوم مرة ثانية وحصلت عليها فى وقت قصير وبعدها أصبحت مدرساً بالجامعة ثم سافرت فى بعثة للخارج وأصبحت أستاذاً فى الجامعة ثم أصبحت بعد ذلك عميداً للكلية ثم رئيساً للجامعة ثم وزيراً للبحث العلمى ثم رئيساً للوزراء وبعدها أعلنت فى الإذاعة عن أسباب نجاحى وذلك أمام زوجتى المذيعة بأن سبب نجاحى ووصولى إلى هذه المكانة هو محبة جدتى لى وكنت أكررها دائماً فى كل حلقة وأدعو الله لها بالرحمة الواسعة .