مَثَلتْ في قفص الاتهام والخجل بادٍ على وجهها، نظرتْ إلى القاضي الوقور فَسَرَت رعدةٌ في أوصالها وتساءلت: "كيف سيكون مصيري؟" وسرعان ما أمر القاضي الحضورَ بالوقوف لبدء المحاكمة.
بدا الحزن عليها، الأعين متجهة إلى هيكلها الكبير، وجوفها ذي الدائرة الواسعة، وخرطومها الطويل الذي تجره خلفها وتتعثر خطواتها به.
يهتف القاضي: يا معشر الأشياء، نجتمع اليوم لمحاكمة السيدة مكنسة بناء على الشكوى المقدمة من الجوربِ أصفر، حيث ادعى أن المكنس ابتلعت إحدى فردتيه، وقضت بالتالي عى شريكه في العمل وتوءمه الحبيب، سنستمع إلى ما يريد المدّعى قوله، تفضل سيد جورب.
- هذا ظلم، المكنسة يجب أن تخلّص الناس من الأوساخ فقط، لماذا ابتلعت شيئاً مفيداً؟ لماذا ابتلعت توءمي؟ فلتحكم عليها بالإعدام يا سيدي.
هز القاضي كرسيّ رأسه، وتعالت أصوات الأشياء ترفض فِعلة المكنسة، صاحت الوسادة: هذه المكنسة آذتنا كثيراً، وسابقاً ابتلعت صديقتي المحفظة الصغيرة، وعلا صوت الحذاء: هل نطالب بإقالتها والعودة إلى زمان المقشّة القديمة؟ المقشة مسالمة وبريئة لا تؤذي أحداً.
مجتمع الأشياء مشتعل بالغضب، ورفضُ نهجِ المكنسة غدا شغلَه الشاغل.
وسط هذا.. أغمضت المكنسة عينيها لتتذكر تفاصيل الحادثة، سيدة المنزل إكرام تمسكها وتجرها لتنظف زوايا المنزل، ودون أن تدرك وجدت أنها ابتلعت إحدى فردتي الجورب، اتسعت عيناها وارتجف خرطومها، وشعرت بأسف شديد، لكنها قليلة الحيلة، لا تستطيع فعل شيء!
أصوات الأشياء من حولها أعادتها إلى اللحظة الراهنة، وإذ بصوت القاضي يطلب منها أن تدافع عن نفسهان استجمعت شجاعتها وهمست بصوت مرتجف: تعلمون أنني مُسَيّرة، لم أبتلع الأشياء بإرادتي، السيدة كانت تجرّني، عرفت أنه خطأ ولكنني لم أملك خياراً.
- ما دمت تميزين الخطأ من الصواب فهذا يعني أنك تستطيعين الرفض، إن أمرك أصحابك أن تفعلي شرّاً فيجب أن تمانعي.
أُقفِلت الجلسة على أن تتم المحاكمة الأسبوع القادم، ووُضِعت المكنسة تحت المراقبة، تشعر بالأسى على الجورب، وتشعر بالخجل من أصدقائها، لم يعد يكلمها أحد، ويُنْظَر إليها على أنها مجرمة، هنا عزمت على تغيير واقعها ومصيرها، وإثباتِ قدرتها على اتخاذ القرار، فما إن أقبلت إكرام وضغطت زر تشغيلها وسحبتها هنا وهناك حتى فتحت عينيها جيداً وعندما أدركت أنها تكاد تسحب جورباً آخر تعطلت، ورفضت متابعة العمل، لم تدرِ إكرام بادئ الأمر ما يجري، لكنها مع التدقيق فهمت أن المكنسة لا تريد ابتلاع كل الأشياء على حد سواء بل تحاول التخلص من النفايات والأشياء المؤذية فقط، فابتسمت وعرفت أنها لم تكن تحكم عقلها وتفعّل إبصارها أثناء عملها.
أما ما لم تعلمه إكرام فهو الجلسة الأخيرة للمحاكمة التي قرر قاضيها الصفحَ عن المكنسة ما دامت فهمت درسها ولم تستسلم للطريق التي يفرضها عليها الآخرون.
- رسم الرسوم :صفحة المعلم على الفيسبوك الرابط من هنا