حملت أمنةُ بنتُ وهبٍ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم عشيةَ الجُمعةِ أولَ ليلةٍ من رجب وإنَّ أمنة لمـّا حملَتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيورَ عاكفةً عليها إجلالاً للذى في بطنها، وكانت إذا جاءتْ تستقي الماء من بِئرٍ يَصعدُ الماءُ إليها إلى رأسِ البئرِ إجلالاً وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه. قالت وكنتُ أسمعُ تسبيحَ الملائكةِ حَولي ثم رَأيتُ في المَنامِ شَجرة، وعليها نُجومٌ زَاهرة، بينهُنَّ نَجمةٌ فَاخرة، أضاء نُورُها على الكل، وبينما أنا ناظرةٌ إلى نُورها واشتِعَالِها إذْ سَقطتْ في حِجْرِي، وسَمعتُ هاتفًا يقول هذا النبيّ السيدُ الرسول ثم أتانِي ملكٌ ومعهُ وَرقةٌ خضراء فقال إنك قد حَملتِي بسيد المرسلين ونبي المؤمنين، قالت فأنتبهتُ من نومي مَرعُوبة وحدثتُ بذلك زوجي عبدَ الله، فقال قومي إلى خليفةَ ابنِ عَتَّاب يُفسّرُ لك هذا المنام، قالت فأتيتُ إليه وقَصصتُ عليه هذا المنام، فقال الشَجرةُ إبراهيمُ الخليل، والنُّجومُ الزَّاهِرَةُ هم الأنبياءُ من أولادهِ، والنَجمةُ الفاخرةُ التي علاَ ضَوؤها على الكُل، فهو نبيٌ يظهرُ في هذا الزمان، يُكسّرُ الأوثانَ ويعبدُ الرَّحمٰن، وأما سُقُوطُهَا في حِجرِك فَسوفَ تَلدِينَهُ وَسَيعلُو مَكَانُهُ ويَنتشرُ في المَشرقِ والمَغربِ بُرهانُهُ. (صلو عليه وسلموا تسليمًا)
ولما دخلَ شَهرُ رَبيعٍ الأول في اثنتَي عَشرةَ لَيلةً خَلت مِنه، وهي ليلةُ الإثنين من الليالي البِيض اللاَّتِي لَيس فيهِنَّ ظَلام، قالت أمنة فأحسَسْتُ بالذي في بَطني يُريدُ النُّزولَ فلحقَنِي البُكاء لوحدَتِي، فَنظرت إلى رُكنِ المنزل وقد ظهر منهُ أربعُ نِساء طِوال، كَأنَّهُنَّ الأقمَار، مُتَزِرَاتٍ بِأُزُرٍ بيض، يَفُوحُ الطّيبُ من أعطَافِهنَّ، فقلتُ لهنَّ من أنتنَّ اللاتِي مَنَّ اللهُ عليَّ بِكُنَّ في وَحدتِي، وفَرَّجَ بِكُنَّ كُربَتِي؟ قالت الأولَى أنا مَريمُ بنتُ عِمران، والتي على يَساركِ سَارةُ زوجةُ إبراهيم، والتي تُناديكِ من خَلفِك هَاجرُ أمُّ إسمعِيلَ الذبيح، والتي أمامَكِ ءاسيةُ بنتُ مُزاحِم. قالت أمنةُ فاستبشرتُ بِهنَّ وفَرحتُ فَرحًا عَظيمًا، فأقبلت كلُّ واحدةٍ منهنَّ وبَشرتهَا، ثم أقبلت الرابعة وكانت أكبرهنَّ هَيبةً وأكثرهنَّ بَهجةً وبشرتهَا بحملها برسول الله صلى الله عليه وسلم. تقولُ أمنة ثم جلست بين يديّ وقالت ألقي بنفسكِ عليّ، ومِيلِي بكُلِّيَّتِكِ إليّ، قالت أمنةُ فجعلتُ أنظرُ إلى أشباحٍ يَدخلونَ عليّ أفواجًا يُهنئُونِي وأنا حَيرانة وهم يُخاطبونني بخطابٍ لم أسمع قطُ أحلىُ منهُ ولا أَرَق. (صلو عليه وسلموا تسليمًا)
قالت أمنة وفي تلكَ الساعة رأيتُ الشُّهُبَ تتطاير يَمينًا وشِمالاً، وأوحَى الله إلى رِضوان، يا رِضوانُ زَينِ الِجنَان، وصُفَّ على غُرفِهَا الحُورَ والوِلدَان، واهتزَّ العَرشُ طَربًا، ومَالَ الكُرسيُّ عَجَبًا، وخَرَّت المَلائكةُ سُجَّدًا، ومَاجَ الثقلان، وقيلَ يا مَالك أغلِق أبوابَ النّيرَان، وَصَفّدِ الشَّياطِين لهبوطِ المَلائكةِ المُقَربين، وكلُ ذلكَ بأمرِ المَلكِ الجبَّار.
قالت أمنة ولم يأخُذنِي ما يَأخُذُ النّساءَ منَ الطَّلق إلا أنِي أعرقُ عَرقًا شَديدًا كالمِسكِ الأذفر، لَم أعهدهُ قبلَ ذلكَ من نفسي، فَشكوتُ العَطشَ، فإذا بِمَلكٍ نَاولنِي شَربةً من الفِضَةِ البيضَاء، فيها شَرابٌ أحلىَ من العَسل، وأبردُ من الثلج، وأذكىَ رائحةً من المِسكِ الأذفَر، فَتناولتها فشربتُهَا فأضَاء عليَّ منهَا نورٌ عظيم، فَحرتُ لذلك، وجعلتُ أنظرُ يمينًا وشمالاً وقد اشتدَّ بِيَ الطَّلقُ، فبينما أنا كذلك فإذا بطائِرٍ عظيم أبيضَ قد دخلَ عليَّ، وأمرَّ بجَانِبَةِ جَنَاحيهِ على بَطنِي وقال، انزِل يا رسول الله، انزِل يا حبيبَ الله، قالت أمنةُ فَأعانَنِي عَالمُ الغيبِ والشهادةِ على تسهيلِ الولادة فوضعتُ الحبيبَ محمَّدًا. (صلوا عليه وسلموا تسليمًا)
نَزلَ رسولُ الله من بطنِ أمهِ مُعتمِدًا على يديه، مَكحُولاً مَدهُونًا مَسرُورًا مختُونًا، مُباركًا على الأمةِ مَأمُونًا، فاحتَمَلَهُ جِبريل، وطاَرت به المَلائكةُ، وَلَفَّهُ مِيكائيل في ثَوبٍ من الجنةِ أبيض، وأعطاهُ إلى رِضوان يَزقُهُ كما يَزقُ الطيرُ فَرخَه، قالت أمنةُ وكُنت أنظر إليه كأنهُ يقولُ زدنِي زدني، فقال له رِضوان يَكفيكَ يا حبيبَ الله، فما بَقِيَ لنبيٍ عِلمٌ وحِلمٌ إلا أُوتِيتَه، فاستَمْسِكْ بالعروةِ الوُثقَى، من قال مَقالَتَك، واتّبَعَ شريعتكَ يُحشرُ غَدًا في زُمرتِك. طُوبَى لحِجرٍ ضَمَّه، وطُوبَى لثديٍ أرضعَه، وطُوبَى لبيوتٍ سكنهَا. فقالتِ الطيرُ نحنُ نَكفَلُهُ، وقالتِ المَلائكةُ نحن أحقُ بهِ، وقالتِ الوُحوشُ نحنُ نُرضِعُهُ، قال الله تعالى أنا أَولَى بِحَبِيبِي ونَبِي مُحمَّد، فَإنِي قَد كَتبتُ أن لا تُرضِعَهُ إلاَّ أمَتِي حَليمَة. اللَّهُم انفعنا ببركةِ نبيك يا أرحم الراحِمين يا أرحم الراحِمين يا أرحم الراحِمين. (صلوا عليه وسلموا تسليمًا).