كَانَتْ أَرْنُوبَة مِنْ بَيْنِ إِخْوتِهَا السَبْعَة نَحِيفَةَ الْجِسْمِ. يُشْفِقُ عَلَيْهَا أَبُوهَا كَثِيرًا. وَلَمْ تَكُنْ أُمُّهَا تُكَلِّفُهَا بِمُسَاعَدَتِهَا فِي أَعْمَالِ الْبَيْتِ. فَشَعُرَتْ بِالدَلاَلِ. وَشَعُرَ إِخْوَتُهَا بِالْغَيْرَةِ مِنْهَا. ظَنُّوا أَنَّ أَبَاهُمْ يُفَضِّلُهَا عَنْهُمْ.
صَارَتْ أَرْنُوبَة مُزْعِجَةً لِلْعَائِلَةِ بِدَلاَلِهَا. لاَ تُحِبُّ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى نَفْسِهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ. قَرَّرَ وَالِدُهَا أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَهُ يَوْمًا إِلَى حُقُولِ الْجَزَرِ لِتُشَارِكَ إِخْوَتَهَا فِي جَمْعِ مَا لَذَّ وَطَابَ. وَأَوْصَاهَا أَلاَّ تَبْتَعِدَ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ حَتَّى لاَ يُصِيبَهَا مَكْرُوهٌ. وَإِذَا مَا دَاهَمَهَا الْخَطَرُ فَمَا عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ تُنَادِي وَالِدَهَا لِيُسْرِعَ لِنَجْدَتِهَا.
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَسْتَطِعْ وَالِدُهَا الْعَمَلَ فِي رَاحَةِ بَالٍ. فَبِمُجَرَّدِ أَنْ يَنْهَمِكَ فِي الْعَمَلِ يَسْمَعُ صُرَاخَهَا وَبُكَاءَهَا. فَيَتْرُكُ مَا بِيَدِهِ لِيُسْرِعَ إِلَيْهَا. غَضِبَ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَطْلُبُهُ لِأَمْرٍ تَافِهٍ.
فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى اِسْتَنْجَدَتْ بِهِ لِيُخَلِّصَهَا مِنْ عُشْبٍ اِلْتَصَقَ بِفَرْوِهَا. غَضِبَ أَبُوهَا وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى نَفْسِهَا.
فِي الْمَرَّةِ الثَانِيَةِ شَاهَدَتْ دُودَةَ الْأَرْضِ تَزْحَفُ أَمَامَهَا. فَأَطْلَقَتْ صَيْحَةَ فَزَعٍ. فَغَضِبَ أَبُوهَا وَتَرَكَهَا.
فِي الْمَرَّةِ الثَالِثَةِ كَانَ الْأَمْرُ خَطِيرًا. لَمْ يُسَارِعْ إِلَيْهَا أَبُوهَا عِنْدَمَا سَمِعَهَا تَصِيحُ وَتَسْتَغِيثُ. فَقَدْ دَاهَمَهَا كَلْبٌ مِنْ بَعِيدٍ فَلَبَدَتْ فِي مَكَانِهَا لاَ تَسْتَطِيعُ الْحَرَاكَ. وَانْقَطَعَتْ أَنْفَاسُهَا. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ سَمِعَ أَبُوهَا صَوْتَ النُبَاحِ اِنْطَلَقَ نَحْوَهَا لِإِنْقَاذِهَا.
اِسْتَوْعَبَتْ أَرْنُوبَةُ الدَرْسَ. وَاعْتَذَرَتْ مِنْ وَالِدِهَا. وَقَرَّرَتْ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى نَفْسِهَا.
شَاهَدَها الجَمِيعُ وهيَ تُصَارِعُ بِجِسْمِهَا النَحِيلِ لِاقْتِلاَعِ جَزَرَةٍ صَغِيرَةِ الْحَجْمِ. كَانَتْ تَبْذُلُ مَجْهُودًا كَبِيرًا لِأَجْلِ ذَلِكَ. ضَحِكُوا. وسَارَعُوا كُلُّهُمْ لِنَجْدَتِهَا.