يُحكَى أنَّه:
كان هناك رجلاً
عجوزًا لمْ تهبْهُ الدنيا أولادًا، وكان يُحبُّ الأزهارَ جدًّا، فقرَّر ذات يوم أنْ
يُرَبِّي زهرةً تربيته لطفلهِ الذي لم يُرزَق به، فاختار أجْملَ الأزهار، وأخذ يَرعاها
وهي ما زالتْ بُرعمٌ صغيرًا..
ظلّ أيّامًا طويلة
يُتابعها، ويَسْهر الليالي بجوارِها في حُبٍّ وحنانٍ.. يَسقيها بالماءِ، ويهشُّ
عنها العصافير، حتَّى كبرتِ الزهرة، واشتدّ عُودها، وشعرتْ به، فقرّرتْ أنْ تخرُج
لهُ في الصّورة التي تمنَّاها..
وبالفعل أطلّتْ
عليه ذات يوم -وهو مُسترخي وقتَ القيلولة- في صُورةِ صَبيٍّ جَميل الهيئة.. زكيّ
الرائحة.. اندهش العجوز! وقال للصبيّ:
- منْ
أنتَ؟؟ وكيف دخلتَ إلى هُنا؟!
ابتسم الولد، وقال
بلطف: أنا ابنكَ الذي تمنَّيته طويلاً.. أنا ولدكَ الذي سَيحمل عنك أعباء الحياة،
ويُساعدك في مَرضِك، ويُؤنس وحدتَك..
اختلطتْ المشاعر على الرّجل، إنه لا يُصدّقُ ما يرى:
- ولكنْ
مِنْ أيْنَ جئتَ يا ولدي؟ أين تسكن؟ لا شكّ أنَّ والديْك قلقان لغيابك.. هيّا
بسرعة، لأعيدك إليْهمَا..
قال الصبيّ -وهو
يغالب دموعه–:
- يا
أبي.. أنا الزهرة التي تبنَّيتها، تحولتُ إلى طفلٍ صَغيرٍ كما ترى، وقد جئتُ أردّ
لك جَميل رعايتك لي..
ردَّ الأب فرحًا:
-
صحيحٌ
يا ولدي؟؟..
ما أروعك مِنْ ولدٍ، لطالمَا
اشتقتُ إلى سماعِ كلمة: "أبي"..
ولسوف أُعلِّمكَ أطيب الصّفات، وأجْمَل الخُلق، وأدخلك المدرسة لتتعلَّم أحسن
العلوم...
وهكذا نشأ الصّغير في حُضنِ والده الطيّب، حتَّى صار عالِمًا
شهيرًا، يُفيد العالمَ بروائح علْمه الكثير، وأخلاقه الزكيَّة.