"ابو معروف" مزارعٌ يعيش مع زوجته ومع أولاده الخمسة في بيتٍ متواضعٍ ورثه عن والده؛ وكان هو وأفراد عائلته يعتاشون من زراعة حقلهم الصّغير المحيط ببيتهم بالمحاصيل المختلفة وبيْعها.
تولّى "ابو معروف" القيام بمعظم العمل، إنْ لمْ يكن به كلّه، فقد كان أولاده يميلون إلى الكسل ويختلقون الأعذار لكيلا يُساعدوه في عمله في الحقْل. لم يضغطْ "ابو معروف" كثيرًا على أولاده لمساعدته، فقد كان في كامل قوّته. لكنّه ،ومع تقدّم العمْر به، بدأ الوهْن يدبّ في جسمه، ولم يعدْ يتمتّع بنشاطه المعهود.
ذات يوم، أحسّ "ابو معروف" بالمرض يسري في جسده العجوز ولمْ يستطعْ الذّهاب إلى الحقْل لممارسة العمل كالمعتاد. ولمْ تتحسّنْ صحّته في الأيّام التالية؛ بلْ ساءتْ أكثر وأكثر، فأحسّ بدنوّ أجَلَهِ. وأصابه القلق الشديد على مستقبل أولاده الكسالى، وفكّر كثيرًا فاهتدى في النهاية إلى فكرةٍ قد تُساعدهم على التخلّي عن كسلهم والاهتمام بأرضهم.
جمع "ابو معروف" أولاده الخمسة عند فراشه وأخبرهم أنّه يحتفظ بصندوقٍ من الذّهب ُيساوي الكثير من المال، مدفونٌ في حقلِهم، وأنّه لا يذكرُ بالضّبط البُقعةَ التي دُفِن فيها ذلك الصّندوق. ارتسم الفرَحُ البالغ على وجوه أولاده عند سماعهم بأمرِ صندوق الكنز، ولكنّهم لم ْ ينبسوا ببنتِ شفة.
بعْد عدّة أيّامٍ، فارق المزارع الحياة، وقرّر الأبناء - عقب الانتهاء من دفْن والدهم – البدء بحفْرِ الأرض. ومضى يومان وثلاثة دون أنْ يجدوا شيئًا. ولمْ يكنْ قد تبقّى سوى بُقعة صغيرة من الأرض لم تُحْفر بعْد فقرّروا حفْرها يحذوهم الأمل بأنْ يجدوا فيها ذلك الصّندوق. وفعْلًا، وجدوا صندوقًا مُغْلقًا مدفونًا في باطن تلك البُقعة.. وطاروا فرحًا لِمَا وجدوه، وسارعَوا بفتْح الصّندوق؛ وكان - لخيبة أملهم – مليئًا بحبوب القمْح، وليس بالذّهب. غضِب الأولاد غضبًا شديدًا ورموا بالصّندوق في الهواء بكلّ قوّتهم، فتناثرتْ حبوب القمْح في جميع أرْجاء الحقل. وقفلوا راجعين إلى منزلهم وهم في غاية التّعاسة.
بعد مرور أسابيعٍ قليلة على ما حدث؛ ازدادتْ برودة الطّقس، وأخذتْ السّماء تتلبّد بالغيوم، وانهمر المطر مدرارًا. وبَقِيتْ "امّ معروف" وأبناؤها الخمسة داخل منزلهم طيلة الأيّام التي نزل فيها المطر، وبعد أنْ توقّف – وبانتْ الشمس على استحياء – فتحوا باب منزلهم ليطلّوا على منظر النباتاتْ وهي تطلّ برأسٍها من الأرض. أحسّ الأولاد بالسّرور لِمَا رأوه. وبدأوا يراقبون نبات القمح وهو ينمو رُويْدًا رُويْدًا ويتحوّل إلى سنابل أكثر صلابةً بدخول الرّبيع وبداية الصّيف.
اكتمل نضْج سنابل القمح، وازدانتْ الأرض بأجمل منظرٍ يمكن أنْ تقع عليه العيْن. وفوجئ أبناء "ابي معروف" بتاجر حبوبٍ يأتي إلى بيتهم ويدفْع لهم ثمنًا مجْزيًا ثمنًا لقمْحِهِم. ومنذ ذلك الحين، أدركوا أنّ الأرض التي تركها لهم والدهم هي الكنْز الحقيقيّ.