استقلّ الرّاعي العجوز "أبو سالم" الشّاحنة الصّغيرة، مصطحبًا معه عشرين رأسًا من الماعز، ليبيعها في المدينة المجاورة لحساب المزارع الذي يعمل لحسابه. كان حظّ "أبو سالم" موفّقًا للغاية فقد وجد من يشتري ما معه من رؤوس الماعزِ بسعْرٍ جيّدٍ للغاية.
وضَعَ "أبو سالم" المبلغَ الّذي حصلَ عليهِ من صفْقةِ البيع التي أتمّها قبْل قليل في مِحْفَظَةٍ قديمةٍ أحْضرها معَهُ خِصّيصًا لهذا الغرض، ثمّ دسّ المِحْفَظَة بما تحْويه من نقودٍ في جيْبِ ثوْبهِ.
سار "أبو سالم" وسَطَ حشْدٍ غفيرٍ من النّاس ممّا سبّب - لسوء الحظّ، - سقوط مِحْفَظَته من جيْبه في الشّارع. ولمْ ينتبه أحدٌ من المارّةِ إلى المِحْفظةِ الملقاةِ على الأرضِ سوى صبيّ في العاشرةِ أو نحْوها عائدٌ من مدرسته، سارع إلى التقاطها قبْل أنْ تدوسها الأقدام.
لمْ يفْتحْ الصّبيّ المِحْفظةِ ليعْرف ما فيها، بلْ أسرع إلى أقرب مخْفرٍ للشّرطة وسلّمها للضابط المناوب الذي كان يتكلّم إلى رجلٍ عجوزٍ دامع العيْنين.
لاحتْ البهْجة على وجه الضابط الذي توجّه إلى العجوز قائلًا: "أبشر أيها الرّجل الطّيّب، فلعلّ الفرج قد جاءك. قلْ لي بالضّبْط كم في المِحْفَظَةِ من نقود."
أخبره الرّجل - وهو يرتجف - بقيمة المبلغ، والذي كان مطابِقًا تمامًا لما هو موجودٌ في المِحفْظَة. أخْرج الرّاعي مبْلغًا من المال من المِحْفظةِ، ومدّه إلى الصبّي الذي قال: "عذرًا يا سيّدي، فأنا لنْ آخذ شيئًا مقابل إرجاعي مِحْفظَتًك إليك، فقد تعلّمنا في المدرسة ألّا نأخذ مكافأة نظير أمانتنا!"