كان
أبى تاجراً للمخدرات .. ولكن لم يكن أحد
من الناس يعرف عنه شيئاً كانوا يقولون عنه بأنه رجل صالح من أبناء القرية .. ولكن
كان معروفاً عند رجال الشرطة .. وكان موظفاً فى احدى الشركات ولكنه كان قد سوى
معاشه أى حصل على معاش مبكر ويكون فى هذه الحالة
معاشه معاشاً بسيطاً وأصبح بتجارة المخدرات من أصحاب رؤوس الأموال فى
القرية ومن أهل البر والطاعة كان له منا
فسون كثيرون فى هذا المجال وكم خدعهم وكم خدعوه والمهم أننى كنت فى الصف السادس
الإبتدائى والدى من أهل البر أتباهى به أمام الناس ولى أختان واحدة فى الصف الخامس
والثانية فى الصف الثالث كنا مشهورين فى المدرسة بأننا رمز التميز وأبونا رمز البر
والإحسان .. وبالصدفة حينما دخلت حجرة والدى والتى كان يمنعنا من الدخول فيها
مطلقاً ولأننا كنا صغار كنا نخشى من اختراق أوامره وجدت ذات مرة مسدسا فى
الكوميدينو وهو منضدة صغيرة توضع بجوار
السرير حينما كنت أبحث عن حبة للصداع وأصبت بالقلق ولم أتكلم ولكننى خفت أن أبوح
لوالدى فيغير معاملته معى ويسألنى لماذا دخلت حجرة نومى ولكن الأمر لم يمر بسهولة
عندى وبينما أنا أبحث ذات مرة فى الحجرة عن رقم تليفون صديق لنا كان مع والدى
ودخلت لأخرجه من الحقيبة التى كانت عنده وجدت عنده فى الحقيبة أكياساً صغيرة فيها
مادة تشبه النشا وذات رائحة نفاذة لم أكد أقربها من أنفى حتى عرفت أنها مادة مخدرة
فهي ليست نشا ولا مادة من المواد التى تستعمل فى المنزل وأحسست إحساساً غريبا
,أعدتها على الفور وتأكدت بعدها أن والدى تاجرا للمخدرات وأصبت بالقلق الشديد
والخوف ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ولا حتى أحاول أن أصلحه وكيف أعلمه بأننى عرفت
عنه كل شيء . ما أستطيع فعله هو الصمت حتى تتاح لى الفرصة بالكلام وأصبت من داخلى
بالإحباط الشديد والإنتكاسة النفسية فلم أعد أتباهى بوالدى على الأقل بينى وبين
الناس وكنت أنتظر المصير المجهول لأسرتنا من جراء تصرف والدى لم أعد أحتاج للتأكد
من تصرف والدى فقد راجعت كل تصرفاته وحرصه الشديد وبعده دائما عن رجال الشرطة
وكرهه الحاد لهم , وتأكدت أن والدى كان تاجراً قديماً للمخدرات وتأكدت من الأموال
الكثيرة التى تأتى إليه دون تعب وعلمت أنه من أكبر تجارالهيروين فى البلدة وحينما
أقرأ فى الجرائد عن القبض على أحد تجار المخدرات فى مصر يتملكنى الخوف والقلق
لأننى أعلم بأن والدى سوف يأتى عليه الدور يوم من الأيام أما والداتى فقد كانت
تعرف كل شىء وتساعده هى الأخرى ولم يكن أحد فى العائلة كلها يعرف هذا الأمر غيرهما
ومع ذلك لم يؤثر هذا في شيء على مستواى الدراسى لقد تأكدت أننى لن ينفعنى غير عملى
أنا وإخوتى وبدأت أركز أكثر فى العمل والدراسة وحصلت على الأول على المدرسة
وبجدارة بينما العام السابق كنت قد حصلت على الثانى ولم أستطع أن أبلغ إخوتى إلا
أن اهتمامى بهم زاد أكثر وبدأت أتجاهل
والدى وتصرفاته ولم أعد أغتر بأى إنسان
يظهر للناس أنه فاضل فهذا أسوأ مثل أمامى وهو أبى وأمى مساعدته الكبرى وفى المرحلة
الإعدادية أصبحت مهتماً أكثر بالإنشطة والمشاركة فى الأعمال الإجتماعية والكشافة
والأعمال الخيرية وأصبحت مشهوراً فى المدرسة بذلك وتفوقت فى الصف الثالث الإعدادى
وحصلت على الأول على الجمهورية وكانت الفرصة غامرة إلى أقصى الدرجة لوالدى ولكل
المحيطين بى وكلهم كان يقول إن هذا بفضل صلاح أبيك وماله الطاهر الطيب وكنت أعلم
الحقيقة وحدى وكان والدى يغدق عليهم الأموال والهدايا وخاصة فى مناسبات
النجاح خاصة هذا ومن بداية المرحلة
الثانوية بدأت أدخر المال بوفرة وآخذ من والدى مبالغاً كبيرة على أننى سأشترى
هدايا للأصدقاء أو غيرهما وكنت أوفر فى دفتر توفير لم يكن أحد يعلم بذلك وذات يوم
أصيب والدى برصاصة فى قدمه اليمنى ولم يعلم أحد من الجانى ؟ وهو لم يشك على حد
قوله فى أحد ومر الأمر وأبى فى حالة شك وقلق وأتأكد كل يوم من سوء صنيع أبى بدأت
أعرف الأشخاص الذين يتعامل معهم والدى وبدأت أخاف على نفسى وعلى إخوتى من أى تصرف
أحمق من هؤلاء المجرمين فبدأت أتدرب على
إصابة الهدف بالمسدس الذى اشتريته خفية بعيداً عن والدى وأخفيته فى مكان أسفل كتبى
لا يعلمه أحد وقد كان ظنى فى محله وبينما أنا نائم وإخوتى فى منتصف الليل وجدت
النور فى حجرة الصالون ووجدت أبى يرفع يديه واثنان يحملان مسدسين يصوباهما ناحية
والدى ووالدتى وهما لا يستطيعان الكلام وما كان منى إلا فجأة واحدة أن أطلقت
عياراً نارياً من زاوية الحجرة ووسط الظلام أصيبت يديهما بالرصاصة وأطلقت رصاصة
ثانية فشلت حركتهما تماماً وأسرع والدى نحو المسدسين هو ووالدتى وصوبهما ناحيتهما
كان هناك اثنان أسفل المنزل ينتظران ولكنهما لم يجدا ما يريدان واتصلنا بالشرطة وجاءت للقبض عليهما
ولم يستطيعا الكلام عن ما بينهما وبين والدى فقد قيدت قضية تعدى وأما والدى فقد
نفى محاولتهما السرقة مثلاً من ما أثار الشبهات حول والدى مع أنها كانت مثارة قبل
ذلك وإن لم يكن يعرف الجميع المهم أننا أخذنا عليهم تعهداً بعدم التعدى علينا فى
قسم الشرطة وانصرفنا ولم أتكلم مع والدى فى هذا الأمرأبداً وتجاهلت أننى أعرف
شيئاً سوى أنهما لصيين جاءا لسرقة أموالنا أما والدى فقد سألنى من أين لك بالمسدس
؟ وهنا قلت له إننى جئت به للتدرب على الإصابة للأهداف فقط وكان حزيناً ولكن قال
لقد أنقذتنا من الهلاك المحقق ومرت المرحلة الثانوية وحصلت على الخامس على
الجمهورية هذه المرة وكانت الفرحة غامرة والنجاح محققاً ولكن ياللمأساة لقد أصبح
والدى لا يملك شيئاً لقد سرق المهربون كل بضاعته من الهيروين من ناحية ومن ناحية
أخرى قاموا بسرقة أموال كان يحملها فى حقيبته فى نفس اليوم الذى سرقوا كل ما يملك
وهذا كان اتفاق بين المهربين جميعاً فلم يعد والدى يملك أى شىء غير المنزل الجميل
الذى نحن فيه والحمدلله الذى كان له معاش صغير يأخذه كان لا يهتم به الغريب أن
تجار المخدرات لم يقتلو كما سمعتهم يتكلمون معه ولكنهم أرادوا أن يعذبوه ويجعلوه
يموت من الحسرة وأصبح والدى لا يمتلك أى شىء وتخيلت ما سيحدث منهم فبدأت أحمل
مسدسا معى وأخفيه وأخرجت رخصة له وذات يوم وأنا ذاهب إلى الكلية وأثناء دخولى إلى
الكلية وقبل دخولى إلى الحرم الجامعى حاول أحد أعداء أبى وهو يمر بسيارته أن يصوب
مسدسه ناحية رأسى حتى يصيبنى ولكنه لم يكن يستعد حتى أخرجت مسدسى وكانت الطلقة فى
رأسه لم أكن أقصد رأسه بل صوبتها ناحية الحركة التى كانت خلفى وسقط الرجل وتحركت
السيارة ثم جاءت الشرطة شرطة الكلية اتجهوا إلى السيارة وأوقفوها والتف حولى
الطلاب وشهدوا جميعا بأنه أخرج مسدساً وصوبه نحوى وتأكدوا من ذلك وأخلى سبيلى
وأصبحت بطلا فى الجامعة ولكن سؤال الشرطة لى لماذا حملت مسدساً معك وأنت متجه إلى
الجامعة وشرحت لهم بأن لوالدى أعداء ولم أوضح لهم السبب وسمحت لى الشرطة بعد ذلك
بحمل المسدس معى فى كل الجامعة ولكن يجب أن أخفيه كانت حسرة والدى كبيرة من ما حدث
وكان الخوف أكبر فلابد أن هناك انتقام منا أكبر ولن يتركونا وأصبح الخوف على إخوتى
أكبر ولكننى لم أكن أبالى وماذا أستطيع أن أصنع
,إنهم لو فكروا فى قتلنا فسوف يقتلوننا حتى لو كنا فى بيوتنا ولكنى أصبت بالرعب والغريب أننى رشحت نفسى
لاتحاد الطلاب وحقا أصبحت رئيساً لاتحاد الطلاب بالجامعة فتفوقى وتاريخى يؤهلانى
لذلك واحتجت إلى أموال ولم يعد أحد يتعاون معنا وقد كان والدى يجود على الجميع مع
أنه كان تاجراً للمخدرات واستفدت من دفتر التوفير الذى معى الغريب أنه بعد حصولى
على رئيس إتحاد الطلاب وجدت هناك منشورات فى الجامعة تفيد بأن والدى كان تاجراً
للمخدرات وبأن ما حدث لى هو انتقام من أحد التجار وبأن حادثة القتل التى تعرضت لها
كانت من أحد هؤلاء وحدث نفس الشىء لإخوتى فى المدرسة الثانوية لكل منهما وكذلك فى
القرية وفى المسجد إلا أن الجميع عرف حقيقة والدى وانكشف أمره أمام الجميع وأصبحت رؤوسنا فى التراب وكنا فى غاية الأسف
والحرج وأصيب والدى من جراء هذه الصدمات المتتالية بشلل نصفى ولم يعد قادراً على
الخروج أما أنا فانفصلت من اتحاد طلاب الجامعة نهائياً ولم يقتصر الأمر على ذلك بل
أصبحت منبوذا وسط الطلاب جميعاً كانت حالتى النفسية أشبه بوالدى يمكن أن أصاب بشىء
فى لحظة ولكن كنت أقول لنفسى هل أسرفت فى شىء هل قدمت ما يستحق العقاب ما على إلا
أن أتجاهل ذلك وأتجاهل كل نظرات التعجب والإحتقار من زملائى وأتفرغ لدراستى وبدأت
أعمل فى أوقات الفراغ حتى أتخلص من الضغط العصبى الذى أواجهه وحتى أستطيع أن أكمل
مصروفات الحياة الدراسية الصعبة والنظرات القاسية فلم يعد أحد يقبل لنا صرفاً ولا
عدلا فى القرية ولا فى الجامعة وكذلك أصبح حال أختاى لم أعد أحتمل ما يحدث حتى
والدى يحتاج إلى علاج ومصاريف والمعاش لا يكفى إلى جانب عملى فلاشىء يفيد أما
الفضيحة فقد جعلتنا فى أدنى درجات المجتمع ولكن حمدا لله حمداًُ كثيراً أن ما حدث
لوالدى أفضل بكثير من أن يسجن بتهمة المخدرات فهذا أفضل بكثير الغريب التى أحببت
صديقة لي فى كلية الطب وأردت الزواج منها
ولكنها كانت فى غاية الأسف لما تعرف عنى ومن انكشاف أمر والدى وبأننى أيضا محكوم
على بالفشل من جراء هذا الحال ومع ذلك فقد كانت متعاطفة معى كصديقة وقالت لى ماذا
يمكن أن تصنع فى مرض والدك والكل يتجاهلك ولم يكن أمامى مع كل هذا إلا الصبر
وتجاهل كل هذه العقبات وانتهيت من كلية الطب وكنت الثانى على الدفعة ولكن لأن
سمعتى سيئة فقد اكتفى المدرسون بالكلية باختيار معيد واحد فقط وحجبونى لما يعرفون
عنى كنت فى غاية الأسف وتعاطف معى الأصدقاء والمحبون ومع ذلك كنت فى غاية السعادة
أننى انتهيت من الجامعة التى كنت محاصراً فيها أشد الحصار وحزنت أكثر أن ضاعت أجمل
أيام عمرى هكذا بدون ذنب منى ولكن لم أبالى لقد قررت السفر للخارج للبعد عن البلدة
وكانت أختاى قد فرغتا من كليتهما واحده فى
كلية التربية والثانية فى كلية الصحافة ولم تتعين لسمعتها السيئة وكانت فى غاية الإحباط ولكنها ظلت صابرة حتى سافرت
للخارج للعمل خارج البلاد وعملت حاملاً
للحقائب وأكملت دراستى للماجستير والدكتوراة ورجعت إلى بلدى وأنا حاملاً
للدكتوراة أما أختاى فقد تزوجتا وكنت أرسلت إليهما ما يفيض عندى من المال وساعدتهما فى الزواج والحمدلله فقد كانتا فى
أتم حال وساعد زوج أختى إياها فى الصحافة
حتى عملت صحفية واستقرت فى العمل أما والدى فقد توفى قبل عودتى بشهور قليلة ولم
أتزوج بعد لقد قابلت فى سفرى كل ألوان التعب والإهانة وسوء المعاملة والإحتقار
وأصبحت كأننى خادماً بحق وإن كنت عملت بالطب هناك إلا أننى فى النهاية أصبحت مثل
الخادم أو أقول العامل بالأجر الغريب عن بلده وشفى جرحى حصولى على الدكتوراة وللحظ
السعيد فقد كانت صديقتى التى أردت الزواج منها قد أصبحت مدرسا مساعدا بالجامعة بعد أن
حصلت على الماجستير وتستعد للدكتوراة وكانت لم تتزوج بعد وكانت مفاجأة جميلة
فحينما عدت تجدد الأمل عندى وتم زواجى منها وقد علمت بأن والدها كان رجلاً فى
المخابرات ولهذا كان وضعى أمامها سيئاً للغاية أما الأن فقد تغيرت الأحوال وأصبح
عملى وحده هو مظهرى أما عمل والدى فقد ذاب
مع حسن عملى ومرت الأيام لأصبح رئيساً لجمعية محاربة الإدمان ثم أصبح وزيراً للصحة .