فارس
إنه اسم ذلك الطفل الصغير الذى لم يدخل المدرسة بعد لشدة فقر والده الذى كان يرعى الغنم
كان والده رجلاً بسيطاً وأميناً وعنده مجموعه من الأغنام يمتلكها ويقوم بحلب ألبانها
ويبيع جزءً ويشرب هو وأولاده جزء كان كل أقاربه أغنياء وأصحاب مزارع وحدائق وقطعان
غنم وماشية أما فارس فكان يرعى الغنم عند عمه وينال منه مبلغاً صغيراً وكان لعمه قطيع
آخر وآخر من الغنم أما أولاد عمه الثلاثة فقد
التحقوا بالمدرسة وكان مصروف الواحد منهم وحده فى اليوم الواحد مثل ما يتقاضاه فارس
طوال شهر كامل من عمه وكان عمه يعطيه الأجر بأسلوب فيه ازدراء وتحقير له .. كان فارس
يكتم فى نفسه الأحزان من سوء معاملة عمه له وكانت له عمة زوجها ثرى مثل عمه ولها أولاد
أربعة أصغر من فارس وكانت لا ترضى بأن يجلس فارس معهم وتجعله يجلس وحده خارج المنزل
مثل بقية العمال بل على العكس تسئ إليه بنظراتها الحادة وبأسلوبها اللاذع وكانت تقول
له سوف يكون لأولادى قيمة فى المجتمع أما أنت يا فارس فمكانك أن تكون خادماً عند هؤلاء
كان فارس يكتم الغيظ فى نفسه ويحترق قلبه من نظرات أقاربه ومن معاملتهم القاسية وكان
يقول لنفسه ليتنى لم أكن لى أقارب فلو لم يكونوا أقاربى لكنت على الأقل مثل بقية العمال
عندهم
إنهم يعاملونهم أفضل من معاملتى وكان ماله
من أقارب آخرين لا يقلون عن عمه وعمته فى سوء المعاملة ولكنه كان لا يتضرر منهم
قال في نفسه : الأقربون أشد ضررا ودرجة قرابتهم أبعد كان يجلس مع أولاد عمه الذين لا
يحبون السير معه وينظرون إلى ملابسه البالية ويتكلمون عن المدرسة وما يجدون فيها من
ألعاب ممتعة ودروس جميلة وكانوا يركبون سياراتهم الفارهة أما فارس فكان يقوم بمسح السيارة
لهم هو ووالده وتضايق فارس من هذا الحال وقال لوالده يجب أن ألتحق بالمدرسة قال والده
إن المدرسة تحتاج إلى مصروفات يابنى كثيرة ولن نستطيع الإنفاق عليك قال فارس وماذا
سأستفيد من الذى أعمل به هل سأصبح ثرياً مثل أولاد عمى ؟ ولو أصبحت ثرياً فلن أكون
أفضل منهم فهم أثرياء دون أن يتعبوا ولكن لكى أتميز عليهم وأنا فقير يجب أن أفعل شيئاً
أعظم منهم إنهم يا والدى يحتقروننى وأنا أقرب الناس إليهم فماذا يمكن أن يفعلوا أكثر
من هذا وحتى لو كبروا وأصبحوا أثرياء أكثر وكانت لهم مناصب فى الدولة فلن أستفيد منهم
شيئاً بل سيزدادون تكبراً على , حزن الوالد من كلام ابنه ومن جراحه الشديدة التى تؤذى
نفسه ومشاعره وقال له يا بنى لن أستطيع إلا أن أقول لك أمرى إلى الله وسوف نتعب كثيراً
ولكن سندخر حتى نكمل لك التعليم وننفق على أختيك الصغيرتين كان فارس يخرج من المدرسة
ليذهب إلى الحقل ليقوم بالعمل المطلوب منه أما عمه فلم يعد يعطيه الأجر كاملاً لقد
خصم منه الكثير لأنه يذهب إلى المدرسة وكان يقول له لماذا تتعلم ؟ يابنى لن تستفيد
شيئاً من التعليم يكفيك أن ترعى الغنم عندى وعندما تكبر وتتفرغ أكثر للعمل ستأخذ أجراً
أكبر من هذا أما فارس فكان يكتم فى قلبه أحزانه ويقول سوف أكمل دراستى مهما كانت النتائج
كان فارس يقتصد جداً فى مصروفه ويدخر الكثير من ما معه ويضعه فى دفتر توفير باسمه
ويعلم أنه سيحتاج الكثير فى المستقبل فلا يوجد من يسانده من أقاربه وأما والده فكان
فقيراً ومرت الأعوام وأصبح فارس فى نهاية المرحلة الإبتدائية أما أولاد عمه فكانوا
فى المرحلة الإعدادية فى السنوات الثلاثة وكان فارس قد تأخر عن أقرانه ثلاثة سنوات
فهو من عمر بن عمه الأكبر وكان لتفوق فارس فى المرحلة الإبتدائية مع فقره الشديد مثاراً
لحقد وكره عمه وعمته له أكثر وكذلك أولاد عمه فبدؤا يتفاخرون عليه أكثر ويعيرونه أنه
أدنى منهم ومهما فعل لن يتقدم ولن يصبح مهما كان مثل أقل فرد منهم قدراً والأدهى من
ذلك أن فارس ظهرله أولاد خالة أمه كانوا فقراء مثله ولكنهم كانوا فاشلين فى المدرسة
فحقدوا هم الآخرون عليه وبدؤا يصنعون بينه
وبين كل الأقارب مكائد وأصيب فارس بالأسف الشديد ولكنه لم يتراجع وكان يقول إذا كان
حقدهم على بسبب تعليمي فإن فشلى لن يزيدهم إلا سوءً وسوف أعمل دون تراجع عن طريقى فى الكفاح أما عمه فقد طرده
من العمل عنده بحجة الإهمال فرح فارس جداً من تصرف عمه وقال لقد أعطانى عمى فرصة قوية
لكى أعمل عند غيره وبأجر أكبر وفعلاً اتجه فارس للعمل عند آخر فكان الحب والتقدير وظل
معه حتى حصل على الشهادة الإعدادية بتفوق وذاعت شهرته بأنه رمز للكفاح والتميز مرض
الرجل الذى كان يعمل عنده فارس مرضاً شديداً ولم يكن له أبناء ذكور ولهذا فقد أعطى
لفارس إدارة أعماله وكان يثق فيه ثقة عمياء وبدأ يعطيه مرتبا مغريأ يكفيه هو وأسرته
وكان يدخر شيئا منه كما تعود ويقول يجب أن أترك
شيئا للزمان00 ازداد حقد أقارب فارس عليه فبدؤا يغمزون عليه ويلمزون حين يمر
عليهم وينظرون إليه باحتقار لإثارة أعصابه أما عمه فقد طرد والده من عمله وقطع رزقه
عنده ولكن فارس أخذه ليعمل مع هذا الرجل الذى ائتمنه دون غيره على إدارة هذه المزارع
ولكن عمه لم يكتف بذلك بل طردهم من منزلهم الذى كان بيتا صغيرا أعطاه لهم ليسكنوا فيه
مقابل عملهم في مزارعه ولكن صاحب المزارع أعطى لهما مسكنا تقديرا لإخلاصهما وأصبح ملكا
لهما ومرت الأيام وفارس يكافح ويجتهد ولا ينظر للخلف حتى أصبح أكثر تميزا واستقرارا
بين أصدقائه وكانت الغيرة قاتلة فقام أحد أقاربه
بعمل سحرله بالمرض والجنون وفجأة وجدفارس نفسه فى حالة مرض وفتور وعدم قدرة
على العمل والتأقلم مع من حوله وأصبح عصبيا لا يتحمل الكلام مع أحد وذهب إلى الكثير
من الأطباء ولم يجد شفاء وبعدها لم يستطع المقاومة فظل طريح الفراش وكانت هذه هى السنة الثالثة فى الثانوية
وجاء أصدقاءه لزيارته والسؤال عنه ولكنهم لم يجدوا له دواءً كانوا فى غاية الأسى والحزن
عليه ومر العام دون أن يدخل الامتحان أما صاحب العمل فقد تعاطف معه ولم يفصله من العمل بل كان يساعده بقدر المستطاع وفجأة تشاجر أحد أصدقاء
قريبه الذى قام بعمل السحرله سرا عند أصدقائه
وأعلم الجميع
وذهبوا
إلى فارس وأعلموه بما حدث وذهب إلى أحد المتخصصين فى فك السحر والطلاسم وبعد مجهود
طويل أصبح فارس سليماً معافاً بعد عام كامل من الأوهان والأمراض عاد مثل ما كان ولكنه
خسر عاماً كاملاً وشمت فيه عمه وأولاده وعمته وأولادها خاصة وأنهم كانوا قد نجحوا جميعاً
وكان كل واحد منهم قد جرب الرسوب مرة من قبل ذلك ولكنهم لم ينجحوا بمجاميع مرتفعة ومع
ذلك شمتوا فيه بكامل الشماتة ولم يعاقبوا من سحره بل رحبوا به وأحبوه كان هذا درساً
قاسياً ومحنة مريرة قابلها الطالب المجتهد والمكافح فارس ولكنه قال يجب أن لا أيأس
يجب أن أستمر وعاد إلى عمله وإلى اجتهاده مرة
أخري وبتشوق أكبر وكانت نتيجة الإمتحانات مبهرة لقد حصل فارس على الخامس على
الجمهورية كلها كانت النتيجة مدوية ومحزنة أشد الحزن لكل من حوله من أقاربه بينما كانت
الفرحة غامرة لكل أصحابه وأحبابه وحصل على مكافأة كبيرة ادخرها فى البنك لتساعده على
نفقات التعليم كانت الصدمة أكبر عند أقاربه جميعاً والفرحة غامرة لكل أحبابه وأصدقائه
والتحق بكليه الهندسة فقد كان يتمنى الإلتحاق بها منذ القدم وخاصة وأن عقله يحب الإبتكار
والذى حرم من التفكير فيه لم يتجاهل فارس دراسته . وإلى جانب
ابتكاراته وكان قد ادخر على طول المرحلة السابقة مبلغاً من المال أصبح كبيراً وأيضاً
فقد كان حصل على مكافأة بسبب تميزه على مستوى الجمهورية وبدأ يشترى الكتب الكثيرة فى
المجالات العلمية ومع دراسته بالكلية يحاول أن يبتكر شيئاً جديداً فقد كان عقلة متفتحاً
وعنده استعداد كامل للنجاح والتفوق وقدم ابتكاراً أثبته فى وكالات الأبناء وسجل اسمه
على الابتكار وحصل على مكافأه مالية كبيرة نفعته في زواج أختيه اللتين كبرتا وأصبحتا
على وشك الزواج وفى العام التالى قدم ابتكاراً آخر أعظم نفعا وقدراً من السابق وسجل
باسمه وحصل على مكافأة مالية عظيمة اشترى بها منزلاً جميلاً لوالده ذلك الرجل الطيب
بجوار منزله القديم وبينما هو يتقدم في النجاح
إذ كان ينكشف أمر أقاربه وفضحوا بسبب
سوء أخلاقهم وذاعت سمعتهم وسط الناس بسوء الخلق أما عمه فقد اتجه إلى شرب الخمور والجرى
وراء الراقصات اللاتى خدعنه حتى باع كل ممتلكاته , وحينما ينظرون إلى فارس مع ما أصابهم من انهيار لا ينطقون له بكلمة حب إو إخاء أو مودة
ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يتجاهل ما فعلوه معه فى صباه وبعد ذلك وما يقدمونه له أيضا
فى هذه المرحلة من سوء الطبع ولكنه لم يبالى بهم وانشغل أكثر بالإبتكار قدم فى العام
التالى لكلية الهندسة إبتكاراً أعظم من السابق كان ابتكاره هذا مركبا من مجموعة من
الإبتكارات وحصل على مكافأه عظيمة وسجل اسمه على الإبتكار وقام باستخدام المال الذى
حصل عليه فى خدمة أبحاثة وابتكاراته القادمة وفى العام الرابع لكلية الهندسة حل فارس
الكثير من الألغاز الهندسية وقدم فكرة هندسية مستعصية لحل الكثير من المشاكل الهندسية
المستعصية وكان نجاحه هذا مبهراً وحصل أكثر على مكافأة أعظم من سابقتها وسجلت هذه المعادلة
باسمه وأصبح اسم فارس على كل لسان وسجلت ابتكاراته وسميت باسمه وكان ابتكاره هذه المرة
فى آخر سنة فى كلية الهندسة إبتكاراً مدوياً لقد أعطاه رئيس الجمهورية وسام الكفاح
والتميز وأصبح فارس بحق فارسا ونموذجاً للتميز والعزيمة والمثابرة فى نفس اللحظة التى
كانت فضائح أقاربه تنتشر وتزيد كل يوم والناس يستاؤن منهم وقد فصل أحد أولاد عمته من
الكلية لسوء سلوكه بينما فارس قد تقدم لحسن سيره وسلوكه وتميزه وطلب من وزير التعليم
إعادة ابن عمته إلى الكلية فقد كان فى العام الرابع والأخير على أن يلتزم بحسن الخلق
ولمحبة وزير التعليم فى فارس استجاب لرغبته وخاصة وأن فارس أصبح مشرفاً للدولة فيما
قدم من ابتكاراته تحمل اسمه
وانتهى العام
الخامس والأخير ليصبح فارس معيداً بكلية الهندسة وبالإجماع وبقرار من رئيس الجامعة
وبدون منافس فى هذه اللحظة ماتت عمته من شدة حقدها عليه وحسرتها على أولادها اللذين
لم يحققوا أى تفوق على مدى حياتهم وما أسرفوا به من أموال وما فعلوا من فضائح كثيرة
ولحب وزير التعليم له فقد زوجه ابنته المعيدة بكلية الهندسة هى الأخرى وجاء أقارب فارس
الذى تفرغ لدراسته بالكلية وطلبوا منه أن يتوسط للوزير والد زوجته لكى يعمل أحدهم في
إحدي الوظائف الحكومية أو يعملوا فى إحدى شركاته ولكن الوزير حينما رآهم لم يرض أن
يشاركهم فى أى عمل وقد قال له يا فارس لقد علمت قصة كفاحك كاملة وعلمت من الناس أن
هؤلاء قد تكبروا عليك وأهانوك وأنت فى أشد الحاجة إليهم وأما الآن فهم يتوسلون إليك
ليعملوا عندك وقد طردوك قال فارس ولكننى لا أحب أن أصبح متكبراً عليهم وأن أقطع رحمى لقد آذونى ولكننى لا أستطيع أن أقدم لهم
هذه الوجبة التى قدموها إلى فقد نسيت كل ما فعلوا معى فقال له سوف أصفح أنا الآخر عنهم
وقدم لهم الوظائف التى كانوا يطلبونها أما أهل قريته فقد استعجبوا هم الآخرون وقالوا
حقا إن فارس هو الأمير الصغير وهذه صفات الأمراء ولقد عفا عنهم وأصبحوا هم المحتاجين
إليه وبإمكانه أن يسىء إليهم كما أساؤا إليه لقد رأيناهم وسمعناهم ولكن الجوهر النقى
لا يستطيع أن يصبح ملوثاً وهكذا أصبح فارس
هو ذلك الفارس الصغير الذي خلد اسمه مع ابتكاراته ونسيت إساءة أقاربه .