كنت طالباً فى الصف الخامس الإبتدائى وكان والدى متسولاً أى يطلب الإحسان
من الناس ولا يعمل غير هذا العمل وكان كل الناس يكرهون والدى ويكرهوننى
أصبحت أنا وإخوتى الثلاثة لا تقدير لنا داخل المدرسة ولا احترام ولا حسن
عشرة كان أصدقائى ينفرون منى حتى إن كانوا أصدقاء لى أعلم أن أهلهم منعوهم
من السير معى اللهم فى الأمور البسيطة كانوا يتكلمون معى أما عمى فقد كان
نجاراً ولكنه كان يعير أبى ولا يدخله منزله ويقول له لقد وضعت رؤوسنا فى
الأرض أما عمى الأخر فقد كان يأخذ من والدى الأموال دائما ويرضى به ولا
يتكبر عليه لأنه المستفيد الوحيد منه وكان يقول له لا تقل لأحد بأننى آخذ
منك مالاً أما عمتى فقد كانت أسوأ حالاً منهما كانت تأخذ من والدى ما
يكفيها وما تحتاجه هى وأولادها ومع ذلك كانت تتكبر عليه وكان والدى يفرح
حين تكرمه وتسمح له بالغذاء معها ومع أولادها وأحياناً تتركه ينام عندها
وتدعى عليه المحبة والحرص عليه وعلى أولاده مع أن الحقيقة هى العكس تماماً
كان والدى أحياناً ما يأخذنى معه للتسول داخل القرية وخارجها وأحياناً يذهب
إلى أماكن بعيدة وكانت صحة والدى سليمة ولكنه يدعى المرض ويصنع تشوهات
وهمية ويدعى أنه أعرج أما حين يأخذنى فكان يدهن وجهى بالهباب ويضع
ميكروكروماً على وجهى وعلى رأسى وأحياناً ما يضع نظارة سوداء على إحدى عينى
حتى يثبت أننى أعور وكان لا يفعل ذلك إلا خارج القرية أما داخلها فقد كان
أهل القرية يفهمون كل شىء عنا ويسبونه أحياناً ويقولون له أنت سبب فى
تعييرنا وتحقيرناً وأما كان بعض الشباب يتهجمون على والدتى وحين تصرح فى
وجوههم كانوا يقولون أنتم لستم أهلاً للشرف أنتم لا كرامة لكم فى هذه
البلدة .
وكان بعض التلاميذ يضربون إخوتى الثلاثة الأصغر منى ويهددونهم ويعيرونهم بأنهم أولاد الشحاذ
كان والدى محبا للطعام والفواكه واللحوم كان كل ماله ينفقه على اللحوم ويشترى الكثير منها وأحياناً يترك ما يفيض عن حاجتنا حتى يتعفن وكنت أثور لذلك ولكنه كان يقول إن الخير كثير وسوف نشترى ما يحلو لنا لا تخف يابني كنت فى غاية الإحراج وغاية الضيق وقلق النفس من هذا الوضع ولكن ماذا أصنع وهذه أسرتى وأين يمكن لى أن أخرج وإلى أى مكان وحتى لو ذهبت إلى أى مكان سيقول الناس على بأننى ابن الشحاذ سيظل هذا العار يلاحقنى فى كل مكان أذهب إليه حتى ولو أصبحت غنياً بعد ذلك سيقولون لى إن أصلك كذا وكذا وإن كانوا يعيروننى وأنا طفل صغير وأصبحت أحمل هم إخوتى كيف سيواجهون الناس حينما يكبروا وبالتأكيد سيصبحوا مثل والدى والناس سيجبرونهم على ذلك ونجحت فى الصف الخامس كالعادة نجاحاً عادياً مثل أى فرد متوسط داخل القرية ولكن كنت مكتوم النفس داخل المدرسة .
وذات يوم ظل مجموعة من الزملاء يعيروننى بأننى ابن الشحاذ كان أحدهم بن لأكبر تاجر مخدرات فى المحافظة ولم أكن أعلم فقد كان أبوه مليونيراً وكان ذلك ظاهراً على ملابسه ومصروفه اليومى هربت من تعييرهم وجلست وحدى فى إحدى الأماكن المهجورة بعيداً عن منزلى أتفكر فى أحوالى وقد نجحت فى الصف الخامس ولكن ما فائدة هذا النجاح والفرحة قد ذهبت ولا قيمة لأى شىء إن كان أصدقائى يعيروننى على شىء لم أقدمه وجدت والد هذا الصديق أو أقول جار المنزل وجدته يحمل حقيبة وينادى بصوت خافت على رجل آخر اقترب الإثنان ولكن لسوء الحظ بعد أن حصل الآخر على الحقيبة التى مع هذا أطلق عياراً نارياً على هذا الرجل فلقى مصرعه فى الحال أما الثانى فقد أخذ الحقيبة التى كانت مع المقتول وحينما حاول أخذ الحقيبة التى معه سمع صوت عطاسى فقد خرج رغماً عنى أدركت أنه سيهجم على ويقتلنى أنا الآخر ولكنه لم يستطع حمل الحقيبة التى كانت مع الأخر وفر هارباً كان هذا الثانى والداً للتلميذ الثانى الذى كان يعيرنى مع صديقه الذى قتل أبوه أمام عينى كنت فى غاية الفزع ولكننى ذهبت بدون أن أشعر وفتحت الحقيبة ولا أعلم كيف ولماذا والمهم أننى وجدتها مليئة بالأموال أغلقتها وأخذتها وانصرفت وأنا فى غاية الرعب كنت أقول إنها ليست من حقى ويجب أن أبلغ الشرطة ولكننى قلت هذا
جزاء تعييرنى من هؤلاء وأولادهم إنهم يعييروننى وهم أهل المعيرة والإحتقار إن والد أحدهما المقتول كان تاجراً للمخدرات والثانى قاتل وتاجر للمخدرات فنحن أعظم شرفاً منهم وعلى الأقل لا نضر أحداً كان هذا هو المبرر الوحيد لى وعندها لم أتردد وأنا عائد للمنزل بالحقيبة التى معى والتى أدخلتها فى كيس أسود بدون أن يشعر أحد وحين سألنى أبى ما معك ؟ وأنا داخل إلى المنزل قلت له إنها مجموعة كتب قديمة أحضرتها للعام الدراسى السادس ومجموعة كشاكيل كانت ملقاة خلف المدرسة سأجمع الورق الفارغ منها وأصنع منها كشاكيلاً جديدة أكتب فيها ادعيت بأننى متعب وكان يومها يوم نجاح لى ومع ذلك لا قيمة لهذا النجاح ولا فائدة وتحت الملاءة ظللت أجمع فى الأموال التى معى فوجدتها نصف مليون دولار كانت جديدة تماماً وكانت الورقة منها بمائة دولار ولم أكن أفهم قيمتها المهم أننى أخذت ثلاثة ورقات منها وظللت أفكر بكل حرص فى مكان أخفيها فيه دون أن يشعر أحد ولم أجد وسيلة لإخفائها غير منزلنا لقد كسرت عدة بلاطات من الحجرة التى أقيم فيها دون إحداث صوت ثم دفنت الحقيبة ووضعت المنضدة فوق البلاط بحيث لا يشعر أحد بذلك وبعدها أصبحت مهموماً ومتوتراً من ما حدث وأصبح معى خارج الحقيبة ثلاث ورقات بثلاثمائة دولار لم أكن أعرف قيمتها فقد كنت أظن بأن الواحدة مثل عشرة جنيهات بدأت أفكر بجدية فى حياتى إن معى مبلغاً ضخماً وإن كنت لا أعرف قيمه الدولار ولكننى يجب أن أفكر ولكن ماذا أصنع وكيف أتصرف وكيف أتعامل مع والدى فلو عرف والدى بأن معى مالاً سيأخذه رغماً عنى وينفقه كله على الطعام والملابس التى لا قيمه لها وبعدها يأخذنى ويتسول فى الشوارع ثانية ظللت أفكر أخرجت ورقة فقط من الثلاثة ورقات التى معى وقلت لوالدى لقد وجدت فى الشارع هذه الورقة لم يفكر فيها وكبر وحمدا لله أن وجدت هذا المبلغ الكبير وقال يابنى إنها تساوى ثلاثمائة جنيه وحدها وأخذنى معه إلى رجل فى القرية وقام بتغييرها بثلاثمائة جنيه وكانت الأسرة كلها فى غاية السرور وظللت أبكى لوالدتى إننى أحق بها وقالت لى وماذا ستفعل بها ؟ قلت لها إننى الذى وجدتها أعطتنى مائة وخمسين جنيها وأخذت الباقى لتشترى لحماً وفواكه كعادتها ووزعت على عمتى وعمى وأقاربه , ولم يبق معهم شىء أما أنا فأخذت الباقي واشتريت مجموعة ملابس جديدة لى وبعض القصص وادعيت بأننى لم أحصل على شىء أخر وظللت أنتظر ماذا
حدث فى جريمة القتل لم يعرف القاتل بعد وخفت أن أتكلم حتى لا أقتل وحتى لا يسألنى أحد عن المال الذى معى ولكن فى الحقيقة كنت شامتاً أشد الشماته فى صديقى الذى قتل والده والذى لم ينكشف أمره للناس بأن والده يعمل تاجراً للمخدرات ومر العام السادس ولم يتغير شىء عندى إلا أننى امتنعت عن التسول مع والدى ولكننى اهتممت بمظهرى أكثر ولم أدعى الفقر أمام زملائى وذهبت إلى الرجل الذى غير الدولار لوالدى وطلبت منه تغيير الاثنين الآخرين وكان متعجباً ولكننى قلت له إن والدى هو الذى أرسلنى وأخذت المال الذى معى وكنت أشترى به ملابساً وكتباً جديدة وما أحتاج إليه ولا أطلب من والدى شيئاً وتفرغت للمدرسة والعلم ومضى نهاية العام حصلت على مفاجأه مذهلة لقد أصبحت السادس على الفصل كان الجميع فى غاية الذهول يقولون بن المتسول يحصل على درجة متميزة وسط المتميزين كان هذا الكلام يقتلنى ولكننى لا أستطيع أن أنطق ببنت شفه فهذه هى الحقيقة ومرت الأعوام الثلاثة الإعدادية معى فى عذاب شديد فقد أصبح الضغط على أكبر والحقد أكثر كلما حققت نجاحاً ولم يعد والدى يأخذنى معه فقد أصبح يأخذ إخوتى الأصغر منى وبدأت أعاتبه كثيراً ولكنه كان يسبنى ويهددنى بأنه سيأخذنى معه وكنت فى غاية الحزن فكلما كبرت كلما فهمت الحياة أكثر وفهمت قيمة ما يفعل وتزداد نظرة الناس إلى سوءاً ولحسن الحظ فقد قتل والدى أثناء شجار عنيف بينه وبين الرجل الذى قتل تاجر المخدرات والذى رأيته ولم أبلغ عنه وأودع الرجل فى السجن ونال عقابه وبعدها اعترف أيضاً بجريمته الشنيعة الأخرى وبأنه تاجر مخدرات وبأن الآخر كان تاجراً للمخدرات وكنت فى غاية السعادة لعدة أمور أولها أن المجرم الذى لم أبلغ عنه نال جزاءه فكأننى أبلغت عنه وجدت أن الذين يعيروننى أصبحوا هم مثاراً للتعبير أكثر منى ثالثاً أن الذى كنت أعير به هو والدى قد مات ولن أترك أحداً من إخوتى الخمسة أو أسرتى يتسول بعد لم يكن ذلك مهما كان والحمد لله معى مبلغ يسد كل احتياجاتى كان أكبر حلم لى وأمل هو مسكن جديد وجميل وصحى وفي منطقة جميلة ووسط مكان حى يتحرك فيه الناس وتذكرت ما معى من أموال ودولارات ولكن كيف أصرفها ولوأخرجتها لقال الرجل على بأننى سارق أو يطمع فى فأنا لم أزل صغيراً ولكننى أخرجت جزءاً جزءاً وكنت أذهب إلى بعض الجيران الموثوق فيهم وأطلب منهم أن يقوموا هم بصرف هذه الدولارات فأنا صغير ولا أعرف شيئاً وأطلب منهم أن لا يقولوا لأحد عنى وأخيراً ذهبت إلى رجل فاضل وطلبت منه صرف مبلغ كبير منها فقام بصرفها من البنك وحذرنى من التعامل مع أحد غير البنك وسألنى من أين هذه الأموال ؟ فقلت له لقد تركها والدى بعد أن توفي قال إن والدك كان متسولا وهذه أموال غير طيبة المصدر ولكنه قال لى أنتم لا دخل لكم ولكن المهم يابنى أن تستغلوها على وجه طيب وهنا إطمأن قلبى إليه وقلت له هل تسمح سيادتك بالتكرم بشراء منزل لنا فأنا صغير ولا أستطيع التصرف ولا حق لي فى التصرف ووالدتى لا تستطيع أن تفهم فى هذه الأمور أما أقاربى فكلهم يطمعون فينا وحقاً اشترى الرجل المنزل بمبلغ عشرون ألف جنيه كان مكوناً من طابقين عشنا فى الثانى أما الأول فقد قسمناه إلى جزئين جزاً محلاً كبيراً وضخماً والثانى قسمناه إلى محلين صغيرين قمنا بتأجيرهما وباعتبار أننا أسرة كبيرة وفقيرة ولادخل لنا إلا ذلك أما منزلنا القديم فقد ربينا فيه الغنم والأرانب والأوزوالبط كل فى حجرة مستقلة كان المنزل بجوار الحقول وبعيداً عن المساكن ومن هنا أصبحت أسرتنا من الأسر التى تنال التقديرأما أعمامنا فبدأوا يحقدون علينا ولكنهم يجب أن ينسوا أننا سنكون مثل والدى نطعمهم حتي تملأ معدتهم في كل وقت يجب أن نعودهم على الجدية وعدم التسول منا ويجعلوننا نتسول نحن لقد ادعيت أمام كل إخوتى أن لامال معنا ولا أى شىء غير ما قمنا بشرائه من منزل ويجب أن نحافظ على المشروع الذى قمنا به واجتهدوا وكانوا في غاية الضيق منى فقد تعودوا على ذلك أما والدتى فقد تعودت على ذلك هى الأخرى وكنت أحتاج إلى مجهود عنيف لتعويدهم على الجدية ولم يزل هناك أمل فى ذلك فلم يزالوا صغاراً بعد ومرت السنوات وأنا فى المرحلة الثانوية وكل عام يمر بالجد والصبر والكفاح فى مشروعنا وكل عام أتفوق عن السابق وأتذكر أيام التسول وما فيها أما الحقيبة التى كانت فى المنزل وهو منزلنا القديم فكنت أخرجتها ووضعتها فى منضدة جيدة ذات أدراج وأغلقت الدرج بمفتاح عليها ولا أجعل أحداً يدخل حجرتى أبداً وبعد حصولى على الثانوية العامة والتحاقى بكلية السياسة والإقتصاد أخرجت الحقيبة وتركت معى مبلغاً منها وأودعتها فى البنك ومن خلال هذا المبلغ استطعت أن أوفر لنفسى كل احتياجاتى من المال أنا وأسرتى وكانت هناك أحقاد شديدة ضدى ولكننى كنت بالهدايا وبحسن المعاملة غيرت ذلك ومن كان يعيرني بوالدى كنت أرسل إليه هدية وأشارك فى الأعمال الخيرية وأتقرب بالهدايا لمن يتقرب مني من أهل القرية والحقيقة أننى أريد أن أمسح من ذاكرتهم حكاية والدى المتسول ولعل الله عوضني بهذا المال ليساعدنى على ذلك تبرعت بمناسبة نجاحى فى الكلية بمسجد للقرية كبير كلفته من مالى الخاص وقد كلفت المسجد وقطعة الأرض مبلغاً كبيراً خمسون ألف جنية وبدء الناس ينشغلون بي وبالمال الذى معي من أين حصلت عليه ؟ وعلي كل هذه الثروة التي لا تنفذ ولكننى كنت أقول إنها من مشروعاتنا التى تجلب علينا الربح الوفير والغريب أن إخوتى هم الآخرين بدؤا يظهرون هم الخمسة بمظهر أنيق ولكنهم يتساءلون عن مالى ؟ ولكن لا أحد يعلم عنى شيئاً ولكن عندهم مشروعات تكفيهم وزيادة ومع ذلك كنت أعطى لهم ما يحتاجون إليه وزاد التبرع بالمسجد حب الناس لنا ولأسرتنا وبدؤا ينسون ما كان يفعله والدى من تسول وزاد الأمر أكثر أننى تبرعت بمسجد آخر فى قرية أخرى فأصبح أهل قريتى يضربون بى المثل ويتباهون بى أمام كل القرى الأخرى وأصبح إخوتى يتباهون أمام الجميع بى وبما أفعل وبما أقدم ونسوا والدى وأفعاله ولحسن حظى فقد تعرفت على فتاة جميلة وذات خلق وتقربت منها حتى علمت أنها بنت سفير وتقدمت لها وكان والدها رافضاً باعتبار أننى فقير ولكننى أعلمته أن عندى من المال ما يزيد عن مائة ألف جنيه ولم أحكى له كل الحقيقة فوافق الرجل وقال لى سوف أطمئن على مستقبل ابنتى معك والغريب أن ابنته بعد الزواج مباشرة أصبحت معيده فى الجامعة أما أنا فقد أصبحت مذيعا فى التليفزيون وأتقاضى مرتباً كبيراً ومرت الأيام وتقدمت لانتخابات مجلس الشعب وحصلت على أغلب الأصوات وبجدارة ومع ذلك فلم يزدنى ذلك إلا فعلاً للخير وقمت ببناء مستشفى كاملة للقرية على نفقتى الخاصة وساعدت كل أهالى القرية فى ما يقدمون إلى من شكاوى وأخيراً كتب أهل القرية اسمى على الشارع الذى كنت أسكن فيه تخليداً لاسمى وما قدمت إليهم من خدمات جليلة أما اسم والدى فقد محى من الوجود تحت ما قدمت من أعمال خيرية ولكن كل هذا بفضل الله الذى وهبنى هذا المال الذى لم يأتى بمجهودى كما أن والدى لا دخل لى في ما كان يفعل ولولا عناية الله لأصبحت مثل والدى ولحلت على لعنته .
وكان بعض التلاميذ يضربون إخوتى الثلاثة الأصغر منى ويهددونهم ويعيرونهم بأنهم أولاد الشحاذ
كان والدى محبا للطعام والفواكه واللحوم كان كل ماله ينفقه على اللحوم ويشترى الكثير منها وأحياناً يترك ما يفيض عن حاجتنا حتى يتعفن وكنت أثور لذلك ولكنه كان يقول إن الخير كثير وسوف نشترى ما يحلو لنا لا تخف يابني كنت فى غاية الإحراج وغاية الضيق وقلق النفس من هذا الوضع ولكن ماذا أصنع وهذه أسرتى وأين يمكن لى أن أخرج وإلى أى مكان وحتى لو ذهبت إلى أى مكان سيقول الناس على بأننى ابن الشحاذ سيظل هذا العار يلاحقنى فى كل مكان أذهب إليه حتى ولو أصبحت غنياً بعد ذلك سيقولون لى إن أصلك كذا وكذا وإن كانوا يعيروننى وأنا طفل صغير وأصبحت أحمل هم إخوتى كيف سيواجهون الناس حينما يكبروا وبالتأكيد سيصبحوا مثل والدى والناس سيجبرونهم على ذلك ونجحت فى الصف الخامس كالعادة نجاحاً عادياً مثل أى فرد متوسط داخل القرية ولكن كنت مكتوم النفس داخل المدرسة .
وذات يوم ظل مجموعة من الزملاء يعيروننى بأننى ابن الشحاذ كان أحدهم بن لأكبر تاجر مخدرات فى المحافظة ولم أكن أعلم فقد كان أبوه مليونيراً وكان ذلك ظاهراً على ملابسه ومصروفه اليومى هربت من تعييرهم وجلست وحدى فى إحدى الأماكن المهجورة بعيداً عن منزلى أتفكر فى أحوالى وقد نجحت فى الصف الخامس ولكن ما فائدة هذا النجاح والفرحة قد ذهبت ولا قيمة لأى شىء إن كان أصدقائى يعيروننى على شىء لم أقدمه وجدت والد هذا الصديق أو أقول جار المنزل وجدته يحمل حقيبة وينادى بصوت خافت على رجل آخر اقترب الإثنان ولكن لسوء الحظ بعد أن حصل الآخر على الحقيبة التى مع هذا أطلق عياراً نارياً على هذا الرجل فلقى مصرعه فى الحال أما الثانى فقد أخذ الحقيبة التى كانت مع المقتول وحينما حاول أخذ الحقيبة التى معه سمع صوت عطاسى فقد خرج رغماً عنى أدركت أنه سيهجم على ويقتلنى أنا الآخر ولكنه لم يستطع حمل الحقيبة التى كانت مع الأخر وفر هارباً كان هذا الثانى والداً للتلميذ الثانى الذى كان يعيرنى مع صديقه الذى قتل أبوه أمام عينى كنت فى غاية الفزع ولكننى ذهبت بدون أن أشعر وفتحت الحقيبة ولا أعلم كيف ولماذا والمهم أننى وجدتها مليئة بالأموال أغلقتها وأخذتها وانصرفت وأنا فى غاية الرعب كنت أقول إنها ليست من حقى ويجب أن أبلغ الشرطة ولكننى قلت هذا
جزاء تعييرنى من هؤلاء وأولادهم إنهم يعييروننى وهم أهل المعيرة والإحتقار إن والد أحدهما المقتول كان تاجراً للمخدرات والثانى قاتل وتاجر للمخدرات فنحن أعظم شرفاً منهم وعلى الأقل لا نضر أحداً كان هذا هو المبرر الوحيد لى وعندها لم أتردد وأنا عائد للمنزل بالحقيبة التى معى والتى أدخلتها فى كيس أسود بدون أن يشعر أحد وحين سألنى أبى ما معك ؟ وأنا داخل إلى المنزل قلت له إنها مجموعة كتب قديمة أحضرتها للعام الدراسى السادس ومجموعة كشاكيل كانت ملقاة خلف المدرسة سأجمع الورق الفارغ منها وأصنع منها كشاكيلاً جديدة أكتب فيها ادعيت بأننى متعب وكان يومها يوم نجاح لى ومع ذلك لا قيمة لهذا النجاح ولا فائدة وتحت الملاءة ظللت أجمع فى الأموال التى معى فوجدتها نصف مليون دولار كانت جديدة تماماً وكانت الورقة منها بمائة دولار ولم أكن أفهم قيمتها المهم أننى أخذت ثلاثة ورقات منها وظللت أفكر بكل حرص فى مكان أخفيها فيه دون أن يشعر أحد ولم أجد وسيلة لإخفائها غير منزلنا لقد كسرت عدة بلاطات من الحجرة التى أقيم فيها دون إحداث صوت ثم دفنت الحقيبة ووضعت المنضدة فوق البلاط بحيث لا يشعر أحد بذلك وبعدها أصبحت مهموماً ومتوتراً من ما حدث وأصبح معى خارج الحقيبة ثلاث ورقات بثلاثمائة دولار لم أكن أعرف قيمتها فقد كنت أظن بأن الواحدة مثل عشرة جنيهات بدأت أفكر بجدية فى حياتى إن معى مبلغاً ضخماً وإن كنت لا أعرف قيمه الدولار ولكننى يجب أن أفكر ولكن ماذا أصنع وكيف أتصرف وكيف أتعامل مع والدى فلو عرف والدى بأن معى مالاً سيأخذه رغماً عنى وينفقه كله على الطعام والملابس التى لا قيمه لها وبعدها يأخذنى ويتسول فى الشوارع ثانية ظللت أفكر أخرجت ورقة فقط من الثلاثة ورقات التى معى وقلت لوالدى لقد وجدت فى الشارع هذه الورقة لم يفكر فيها وكبر وحمدا لله أن وجدت هذا المبلغ الكبير وقال يابنى إنها تساوى ثلاثمائة جنيه وحدها وأخذنى معه إلى رجل فى القرية وقام بتغييرها بثلاثمائة جنيه وكانت الأسرة كلها فى غاية السرور وظللت أبكى لوالدتى إننى أحق بها وقالت لى وماذا ستفعل بها ؟ قلت لها إننى الذى وجدتها أعطتنى مائة وخمسين جنيها وأخذت الباقى لتشترى لحماً وفواكه كعادتها ووزعت على عمتى وعمى وأقاربه , ولم يبق معهم شىء أما أنا فأخذت الباقي واشتريت مجموعة ملابس جديدة لى وبعض القصص وادعيت بأننى لم أحصل على شىء أخر وظللت أنتظر ماذا
حدث فى جريمة القتل لم يعرف القاتل بعد وخفت أن أتكلم حتى لا أقتل وحتى لا يسألنى أحد عن المال الذى معى ولكن فى الحقيقة كنت شامتاً أشد الشماته فى صديقى الذى قتل والده والذى لم ينكشف أمره للناس بأن والده يعمل تاجراً للمخدرات ومر العام السادس ولم يتغير شىء عندى إلا أننى امتنعت عن التسول مع والدى ولكننى اهتممت بمظهرى أكثر ولم أدعى الفقر أمام زملائى وذهبت إلى الرجل الذى غير الدولار لوالدى وطلبت منه تغيير الاثنين الآخرين وكان متعجباً ولكننى قلت له إن والدى هو الذى أرسلنى وأخذت المال الذى معى وكنت أشترى به ملابساً وكتباً جديدة وما أحتاج إليه ولا أطلب من والدى شيئاً وتفرغت للمدرسة والعلم ومضى نهاية العام حصلت على مفاجأه مذهلة لقد أصبحت السادس على الفصل كان الجميع فى غاية الذهول يقولون بن المتسول يحصل على درجة متميزة وسط المتميزين كان هذا الكلام يقتلنى ولكننى لا أستطيع أن أنطق ببنت شفه فهذه هى الحقيقة ومرت الأعوام الثلاثة الإعدادية معى فى عذاب شديد فقد أصبح الضغط على أكبر والحقد أكثر كلما حققت نجاحاً ولم يعد والدى يأخذنى معه فقد أصبح يأخذ إخوتى الأصغر منى وبدأت أعاتبه كثيراً ولكنه كان يسبنى ويهددنى بأنه سيأخذنى معه وكنت فى غاية الحزن فكلما كبرت كلما فهمت الحياة أكثر وفهمت قيمة ما يفعل وتزداد نظرة الناس إلى سوءاً ولحسن الحظ فقد قتل والدى أثناء شجار عنيف بينه وبين الرجل الذى قتل تاجر المخدرات والذى رأيته ولم أبلغ عنه وأودع الرجل فى السجن ونال عقابه وبعدها اعترف أيضاً بجريمته الشنيعة الأخرى وبأنه تاجر مخدرات وبأن الآخر كان تاجراً للمخدرات وكنت فى غاية السعادة لعدة أمور أولها أن المجرم الذى لم أبلغ عنه نال جزاءه فكأننى أبلغت عنه وجدت أن الذين يعيروننى أصبحوا هم مثاراً للتعبير أكثر منى ثالثاً أن الذى كنت أعير به هو والدى قد مات ولن أترك أحداً من إخوتى الخمسة أو أسرتى يتسول بعد لم يكن ذلك مهما كان والحمد لله معى مبلغ يسد كل احتياجاتى كان أكبر حلم لى وأمل هو مسكن جديد وجميل وصحى وفي منطقة جميلة ووسط مكان حى يتحرك فيه الناس وتذكرت ما معى من أموال ودولارات ولكن كيف أصرفها ولوأخرجتها لقال الرجل على بأننى سارق أو يطمع فى فأنا لم أزل صغيراً ولكننى أخرجت جزءاً جزءاً وكنت أذهب إلى بعض الجيران الموثوق فيهم وأطلب منهم أن يقوموا هم بصرف هذه الدولارات فأنا صغير ولا أعرف شيئاً وأطلب منهم أن لا يقولوا لأحد عنى وأخيراً ذهبت إلى رجل فاضل وطلبت منه صرف مبلغ كبير منها فقام بصرفها من البنك وحذرنى من التعامل مع أحد غير البنك وسألنى من أين هذه الأموال ؟ فقلت له لقد تركها والدى بعد أن توفي قال إن والدك كان متسولا وهذه أموال غير طيبة المصدر ولكنه قال لى أنتم لا دخل لكم ولكن المهم يابنى أن تستغلوها على وجه طيب وهنا إطمأن قلبى إليه وقلت له هل تسمح سيادتك بالتكرم بشراء منزل لنا فأنا صغير ولا أستطيع التصرف ولا حق لي فى التصرف ووالدتى لا تستطيع أن تفهم فى هذه الأمور أما أقاربى فكلهم يطمعون فينا وحقاً اشترى الرجل المنزل بمبلغ عشرون ألف جنيه كان مكوناً من طابقين عشنا فى الثانى أما الأول فقد قسمناه إلى جزئين جزاً محلاً كبيراً وضخماً والثانى قسمناه إلى محلين صغيرين قمنا بتأجيرهما وباعتبار أننا أسرة كبيرة وفقيرة ولادخل لنا إلا ذلك أما منزلنا القديم فقد ربينا فيه الغنم والأرانب والأوزوالبط كل فى حجرة مستقلة كان المنزل بجوار الحقول وبعيداً عن المساكن ومن هنا أصبحت أسرتنا من الأسر التى تنال التقديرأما أعمامنا فبدأوا يحقدون علينا ولكنهم يجب أن ينسوا أننا سنكون مثل والدى نطعمهم حتي تملأ معدتهم في كل وقت يجب أن نعودهم على الجدية وعدم التسول منا ويجعلوننا نتسول نحن لقد ادعيت أمام كل إخوتى أن لامال معنا ولا أى شىء غير ما قمنا بشرائه من منزل ويجب أن نحافظ على المشروع الذى قمنا به واجتهدوا وكانوا في غاية الضيق منى فقد تعودوا على ذلك أما والدتى فقد تعودت على ذلك هى الأخرى وكنت أحتاج إلى مجهود عنيف لتعويدهم على الجدية ولم يزل هناك أمل فى ذلك فلم يزالوا صغاراً بعد ومرت السنوات وأنا فى المرحلة الثانوية وكل عام يمر بالجد والصبر والكفاح فى مشروعنا وكل عام أتفوق عن السابق وأتذكر أيام التسول وما فيها أما الحقيبة التى كانت فى المنزل وهو منزلنا القديم فكنت أخرجتها ووضعتها فى منضدة جيدة ذات أدراج وأغلقت الدرج بمفتاح عليها ولا أجعل أحداً يدخل حجرتى أبداً وبعد حصولى على الثانوية العامة والتحاقى بكلية السياسة والإقتصاد أخرجت الحقيبة وتركت معى مبلغاً منها وأودعتها فى البنك ومن خلال هذا المبلغ استطعت أن أوفر لنفسى كل احتياجاتى من المال أنا وأسرتى وكانت هناك أحقاد شديدة ضدى ولكننى كنت بالهدايا وبحسن المعاملة غيرت ذلك ومن كان يعيرني بوالدى كنت أرسل إليه هدية وأشارك فى الأعمال الخيرية وأتقرب بالهدايا لمن يتقرب مني من أهل القرية والحقيقة أننى أريد أن أمسح من ذاكرتهم حكاية والدى المتسول ولعل الله عوضني بهذا المال ليساعدنى على ذلك تبرعت بمناسبة نجاحى فى الكلية بمسجد للقرية كبير كلفته من مالى الخاص وقد كلفت المسجد وقطعة الأرض مبلغاً كبيراً خمسون ألف جنية وبدء الناس ينشغلون بي وبالمال الذى معي من أين حصلت عليه ؟ وعلي كل هذه الثروة التي لا تنفذ ولكننى كنت أقول إنها من مشروعاتنا التى تجلب علينا الربح الوفير والغريب أن إخوتى هم الآخرين بدؤا يظهرون هم الخمسة بمظهر أنيق ولكنهم يتساءلون عن مالى ؟ ولكن لا أحد يعلم عنى شيئاً ولكن عندهم مشروعات تكفيهم وزيادة ومع ذلك كنت أعطى لهم ما يحتاجون إليه وزاد التبرع بالمسجد حب الناس لنا ولأسرتنا وبدؤا ينسون ما كان يفعله والدى من تسول وزاد الأمر أكثر أننى تبرعت بمسجد آخر فى قرية أخرى فأصبح أهل قريتى يضربون بى المثل ويتباهون بى أمام كل القرى الأخرى وأصبح إخوتى يتباهون أمام الجميع بى وبما أفعل وبما أقدم ونسوا والدى وأفعاله ولحسن حظى فقد تعرفت على فتاة جميلة وذات خلق وتقربت منها حتى علمت أنها بنت سفير وتقدمت لها وكان والدها رافضاً باعتبار أننى فقير ولكننى أعلمته أن عندى من المال ما يزيد عن مائة ألف جنيه ولم أحكى له كل الحقيقة فوافق الرجل وقال لى سوف أطمئن على مستقبل ابنتى معك والغريب أن ابنته بعد الزواج مباشرة أصبحت معيده فى الجامعة أما أنا فقد أصبحت مذيعا فى التليفزيون وأتقاضى مرتباً كبيراً ومرت الأيام وتقدمت لانتخابات مجلس الشعب وحصلت على أغلب الأصوات وبجدارة ومع ذلك فلم يزدنى ذلك إلا فعلاً للخير وقمت ببناء مستشفى كاملة للقرية على نفقتى الخاصة وساعدت كل أهالى القرية فى ما يقدمون إلى من شكاوى وأخيراً كتب أهل القرية اسمى على الشارع الذى كنت أسكن فيه تخليداً لاسمى وما قدمت إليهم من خدمات جليلة أما اسم والدى فقد محى من الوجود تحت ما قدمت من أعمال خيرية ولكن كل هذا بفضل الله الذى وهبنى هذا المال الذى لم يأتى بمجهودى كما أن والدى لا دخل لى في ما كان يفعل ولولا عناية الله لأصبحت مثل والدى ولحلت على لعنته .